تيسير نظمي في فرم ناعم للعدد 400 من أفكار

 


فرم ناعم

قصة : تيسير نظمي

 


     مع أشعة شمس آذار كم بدى لامعا لون الجزر وكم بدى شبيها بلون برتقال يافا لولا فقدان اللون للرائحة. وضعت كل ما اشتريته اليوم من جزر على الشرفة تحت الشمس الساطعة ليجف ما اعتراه من بلل ندي ويزداد التماعا.

     نظفت العصارة الكهربائية وأعددتها للتشغيل بعد طول هجران لها قارب السنة. وجلست أراقب عبث العصافير مع طائر أكبر منها حجما ظننته بادئ الأمر دجاجة أو ما يشبه الدجاجة لأنه ثقيل الخطو بطيء الحركة إذا ما قورن بالدجاج من حوله وشاذ عن العصافير التي تحلق وتتقافز من حوله دون أن يكون له قدرتها على القفز والطيران. بفعل العادة وبفعل المشاغل لم أفرغ يوما ما لبحث أمر هذا الطائر وما هو بطائر ، ولا شغلني اختلافه عن بقية من حوله سواء بالشكل أو بالحجم أو السلوك. فقط هو طائر مختلف لأسبابه الخاصة التي ربما تكون نتيجة اعتلال أو ضعف في التكوين. هو من حيث الفصيلة من الطيور وليس من الحيوانات الأليفة مثلا كالكلاب والقطط. نقلت ناظري لبهاء الجزر البرتقالي الناصع ولمعته المحتفية بضوء الشمس فراقني لونه وقوامه وخاصة أن بضع جزرات احتفظن بورق أخضر لم تمسسه سكين أو براعة اليد التي قطفته عن موطنه. بدت مسننات العصارة لامعة هي الأخرى من فرط نظافتها كما بدت الكأس التي سوف توضع تحت زعبوبة العصارة أيضا نظيفة شفافة لا تعتريها أية شائبة أو حتى دمعة من آثار الغسيل. كان الجو صافيا والسماء زرقاء بلا أية غيوم بيضاء أو داكنة أو مكفهرة تنذر بكآبة الشتاء المنصرم.

     تذكرت صديقا زارني منذ فترة ولاحظ نفس ملاحظتي لدى رؤيته للطائر المختلف أو دعني أقول للدجاجة المختلفة. كان أكثر مني معرفة وعلما بالطيور. لكن أحاديثنا تشعبت وتوالدت و فقست موضوعات أخرى ليس من بينها أنواع الطيور التي ألفناها في الصبا أو عرفناها من خلال ممارسة الصيد في البساتين وبين الشجر أو عند نبع الماء أو على البيادر في مواسم الحصاد. ولا أدري كيف انبثقت فكرة الإتصال الهاتفي به في ذهني كي أسأله عن سر هذا الطير الدجاجة و في مثل هذا التوقيت المفاجئ من ربيع يستهل بشائره بسطوع الشمس أولا وبوعوده بكسوة شجر اللوز بالنوار والأرض بالورود والأزهار. ولأن متعة البصر والإبصار لا تعادلها متع التذوق والطعام قلت لنفسي أتصل أولا بالصديق، أدعوه لزيارتي إن سمحت له أوقاته وانشغالاته ثم أسأله في كل الأحوال عن هذا الطير المختلف إذ يبدو لي أنه حزين هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى. أقول حزين وأنا أراقب كيف يستهين به كل من حوله ويأخذون طعامه من أمامه ومن حوله وهو عاجز عن فعل أي شيء إزاء هذا التطاول على مقامه وحجمه و منقاره. أما العصافير فقد بلغ بعضها من الوقاحة أن جلس أحدها على ظهره مستمتعا بأشعة الشمس و بالطيران مع أقرانه عندما يهرعون في سرب جماعي نحو ساحة المحمص المجاور باحثين عن بقايا الفستق الذي عادة ما يعرضه صاحب المحمص للشمس. عثرت على رقم هاتف الصديق ونظرت إلى الساعة في يدي قبل أن أتصل وأجد هاتفه مشغولا في مكالمة أخرى. وكي أشغل الوقت أنا أيضا قبل أن يبادرني هو باتصاله أدرت مفتاح العصارة واضعا أول جزرة في فتحة العصارة لمواجهة مصيرها الذي مهما كان لن يسلبها لونها البهي بل يحولها إلى فتات برتقالي ناعم الملمس. وهكذا فعلت مع زميلاتها بعد استمتاعهن بشمس آذار. عندما امتلأت الكأس أمامي أدرت مفتاح التشغيل معكوسا لتنخمد ماكنة العصر وتلوذ بالصمت. رن جرس هاتفي مؤذنا بانتهاء مكالمة الصديق في يوم عمل وفتحت الخط مستهلا المكالمة بالسؤال عن أحواله وما استجد لديه من مشاغل وأخبار. و هو بالمقابل سألني عن أخباري و هل وجدت عملا بعد إنهائهم لخدماتي للمرة الثالثة، لكنه فوجئ أنني أسأله عن الطير هذه المرة دون سواه. تريث قبل أن يجيبني مستفسرا عن سر بحثي الدائم عن المتاعب والقصص الكئيبة المحزنة، فقلت له أن وضع هذا الطير بات لا يحتمل ولا يطاق وأنه يتعرض حاليا للإذلال وأنه غير قادر على الدفاع عن نفسه. تغيرت نبرة صوت الصديق فجأة وهو يتريث في مكاشفتي أنه لاحظ من قبل نفس ملاحظتي ولم يشأ أن يخبرني في حينه بحقيقة الطير. و بعد إلحاحي عليه بالبوح كي لا يخفي شيئا عني قال : إنه يا صديقي نوع نادر السلالة من النسور التي حلقت عاليا في سماء فلسطين.

العاشر من آذار 2022- عمان



صدور العدد 400 من مجلة أفكار محتفيا بمدينة إربد ...
صدر حديثاً العدد 400 من مجلة أفكار التي تصدرها وزارة الثقافة، وهو عدد خاص بمدينة اربد، بالتزامن مع اختيار إربد العاصمة العربية للثقافة 2022.
وتضمن العدد دراسات ومقالات حول المدينة تاريخها وحاضرها من مختلف الجوانب، وباقة من الإبداعات الأدبية المميزة، كُتب أغلبها عن مدينة إربد كمكانٍ محفّزٍ للإبداع والبوح، وجاء العدد من اعداد الشاعر لؤي أحمد.
وحوى العدد مُفتتحا عن إربد بوصفها حاضنة نوعية للعلوم والتكنولوجيا كتبه رئيس التحرير الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق، وفي باب الدراسات والمقالات نقرأ في العدد: (إربد: أُقحوانة سهل حوران) للدكتورة هند غسان أبو الشعر، و(المكتبات في مدينة إربد) للدكتور ربحي مصطفى عليان،و (إربد: حاضنة الثقافة الموسيقية الأردنية.. عاصمة الثقافة العربية) للدكتورة صفاء حداد، و(الحركة المسرحية في إربد) لحسن ناجي، و (أنساق الترجمة في محافظة إربد ودلالاتها الثقافية) لإسماعيل أبو البندورة، و(ثلاثة مستويات في رواية هاشم غرايبة " القطّ الذي علّمني الطيران") للدكتور جمال مقابلة، و(التطرف وخرق التابو في رواية "خارج الجسد" لعفاف بطاينة أنموذجا) للدكتورة لينداء عبدالرحمن عبيد، و(دور إربد في النهضة الأردنية والفلسطينية المعاصرة) لتحسين يقين، و("أم قيس" ... دُرّة الشمال الأردني) للدكتورة نادية سعد الدين، و(التشاكل وفلسفة الإيقاع في الشعر العربي المعاصر، قصيدة "شيخ الطريقة" للشاعر لؤي أحمد أنموذجا ) للدكتورة رحمة الله أوريسي، و((أم صخر): محمود شاعر بالفطرة.. ومحام لم يخسر قضية قط) لذكريات حرب، و(سيرة مدينة ) للدكتورة دلال عنبتاوي، و(إربد: بوابة الحياة وموئل الشمس) لأحمد الخطيب، و(الرّق والحرّية في رواية (فستق عَبيد) لسميحة خريس) لسلام أمين رحال، و( بيت عرار: حارس الحكايات والشعر) لصالح حمدوني، و(الحركة التشكيلية في إربد ) لغازي انعــيم.
وفي باب الإبداع نقرأ مجموعة من القصائد: أقحوانة الشمال / شعر: محمود الشلبي، لا أُريد على القبر / شعر: أمين الربيع، إربد لغة أخرى / شعر: عمر أبو الهيجاء، نجمة في فضاء الروح / شعر: إيهاب الشلبي، شَبَابُ الرُّؤَى / شعر سعيد يعقوب.
وفي الإبداع القصصي نقرأ: (سلامتك يا إربد، في تذكر حبيبتي إربد) قصة: زياد خداش، البريق / قصة: عمّار الشقيري، وكان في إربد / قصة: دينا بدر علاء الدين، الغبار/ قصة: عمر ضمرة، الوصيةُ الأخيرة / قصة: حسام الرشيد، فرم ناعم / قصة: تيسير نظمي، لقاء حميم / قصة: موسى إبراهيم أبو رياش، عاريًا من الخوفِ / قصة: إيمان مرزوق، فريدة / قصة: تغريد أبو شاور.
يُذكر أن مجلة أفكار صدرت منذ عام 1966، وتهدف إلى التعريف بالنتاج الفكري الأردني في مجالات الثقافة والإبداع المتعدّدة، والفنون، والإطلالة على النتاجين العربيّ والإنساني في هذه المجالات، والارتقاء بالمستوى الفكريّ والذائقة الجماليّة والفنيّة لدى القارئ، فضلا عن متابعة الحركة الأدبية والفكرية والفنية نقديا.
وكانت هيئة تحرير مجلة أفكار الجديدة، قد باشرت عملها بإصدار هذا العدد الخاص عن مدينة إربد، والهيئة الجديدة تكونت من الدكتور غسان عبدالخالق رئيساً وعضوية كل من: الدكتور إبراهيم بدران، الأديبة سميحة خريس، الباحث إبراهيم غرايبة، الدكتور رزان إبراهيم، الدكتور أماني سليمان داود، ومخلد بركات مديراً للتحرير، ومنال حمدي سكرتيرة التحرير . " .
--(بترا)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا