تيسير نظمي للحقائق الثقافية: أنجزنا الهزيمة باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح الأسئلة

 

تيسير نظمي


 (قبل أكثر من 15 عاما نشرته الحقائق الثقافية)

"أنجزنا الهزيمة باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح الأسئلة "

وجّهت الحقائق الثقافية إلى نخبة من الأدباء والكتاب العرب سؤالها التالي ضمن ملف الثقافية الفصلي ويسر الثقافية أن توالي نشر ما يردها من الإجابات على التوالي حسب ورودها إلينا، والحقائق تؤكد على نشر كل الآراء الواردة كما وردت تماما وكما هو ديدنها دون معالجات من أي نوع وبمنهى الحرية والشفافية ...كما ونشكر أيضا من اعتذر عن المشاركة في هذا الملف وأرسل جواباً..

السؤال: ثقافة الاستسلام أو ثقافة الهزيمة نشطت مؤخرا بشكل لافت ووجدت لها منابر وأدوات وأصوات في مشهدنا الثقافي العربي وانتقلت من مرحلة التبرير إلى مرحلة (التبشير) وأصبحت في تقييم البعض حراباً جديدة هل تتفقون مع هذا التقييم أم لا ؟ وثانياً هل كان ذلك نتاج فشل السياسي وتزعزع الفكري أم تواطؤ الثقافي أم هو محصلة سقوط (للثقاسياسي) معاً ؟ وأخيراً كيف الخلاص ؟

تيسير نظمي- الأردن:

أنجزنا الهزيمة باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح الأسئلة "

 

السؤال يحمل ضمناً إجابة أيدولوجية، و يحيلني إلى آخر ما قاله أدونيس في آخر لقاء معه مع صحيفة نيويورك تايمز بأن ثقافتنا لا تطرح الأسئلة، و إنما أجوبة جاهزة عن كل شيء و لكل شيء. فصيغة السؤال تقرر سلفاً أن هنالك ثقافة استسلام أو ثقافة هزيمة، و أنها نشطت و انتقلت من مرحلة إلى مرحلة أخرى فأصبحت حراباً جديدة، بمعنى أن هنالك حرابا قديمة، و بالتأكيد الأمر لا يمكن تبسيطه على هذا النحو، كما أن النظرة الميكانيكية في الفصل بين السياسي و الثقافي يطرح معضلة في فهمنا للجزء و هو السياسي من الكل و هو الثقافي. و من الطبيعي أن الفكري يجمع كافة الأنشطة الإبداعية و الأدبية الفنية والنشاط السياسي كتعبير من أشكال التعبير الثقافي.أما محصلة السؤالين الأول و الثاني فقد جاءت بسؤال لاهوتي ثالث عن كيفية الخلاص.

كان لابد من توضيح هذه المقدمات باعتبارها تشير إلى أوجه الخلل حتى في ثقافتنا العربية الإسلامية التي شاء لها الزمن و الإنكسارات أن تطرح أسئلة متأخرة عن الخلاص سبق أن طرحت في المشهد الثقافي البانورامي لتجليات القرن العشرين السابق. و هي من نوع الأسئلة المبكرة التي طرحها الأدب في مصر في النصف الأول من القرن الماضي. و في الرواية تحديداً مثل" عصفور من الشرق" و " قنديل أم هاشم" و طرحتها الثقافة في كتاب " مستقبل الثقافة في مصر" و شملت أسماء توفيق الحكيم، يحي حقي، سلامة موسى، محمود أمين العالم و عبد العظيم أنيس.

و هذه أسماء من عشرات الأسماء التي عبرت عن الثقافة العربية في مصر النهضة و التحرر الوطني و لم تكن في يوم من الأيام مع قريناتها من ثقافات قطرية و قومية و يسارية في لبنان و الجزائر و العراق و سوريا ثقافات هزيمة واستسلام. لكنها أيضاً كانت تحمل معضلاتها و إشكالاتها الأيدولوجية و ما تزال. أردت منذ البدء الاحتجاج على صيغة السؤال، فلا توجد ثقافة هزيمة و لا ثقافة استسلام، يوجد مستسلمين بالمعنى السياسي و يوجد مستفيدين من الهزيمة، لكن لا توجد ثقافة للهزيمة. و يبدو أننا مختلفين في تحديد مفهوم " الثقافة" أولاً التي من الطبيعي أن تتعرض للكبوات و التراجعات الدراماتيكية خاصة تلك التي تكون محملة بما لا تحتمل من بطولات الماضي و من شعارات الحاضر الذي أصبح ماضياً قريباً بعد تداعي الحليف السوفياتي لمثقفي اليسار و بروز الحليف " الديمقراطي" الجديد ممثلاً بالغرب و تحديداً الأميركان وعلى وجه الدقة إدارة الرئيس بوش و المحافظون الجدد.

من الطبيعي لأي شعب حي و أية ثقافة حية متفاعلة مع العصر و عوامل الضعف الذاتي أن تعاني من تحولات. وهذه التحولات من الضروري إخضاعها لعملية فحص موضوعي و علمي كي نتفهمها و نتعرف على آليات صنعها و ميكانيزمات التحكم بها و السيطرة عليها كي يتم توظيفها لمصلحة الشعوب أو كما يدعي البعض لمصلحة " الأمة"!

و لو كانت هذه النظرة الموضوعية موجودة منذ نصف قرن لما جوزف باتهام سلامة موسى و سعيد عقل و كثير من مفكري اليسار والتقدم بما يصل حدود الخيانة ذات يوم في مراحل احتدام الصراع الفكري في الوطن العربي. و اليوم نحن مطالبون بأعلى درجات المسؤولية أن نتريث في إطلاق الإتهامات ليحل محلها الحوار.

حتى المنهزم عليه أن يحترم المنتصر ليس لأنه الأقوى، بل لأسباب انتصاره. و بدلاً من كيل الشتائم و التهم لهذا و ذاك على المنهزم أن يفهم أسباب هزيمته. لقد أنجزنا في الثقافة العربية السائدة كل أسباب هزيمتنا سواء في حرب 1967 أو في الحروب و المعارك السياسية اللاحقة. أنجزنا الهزيمة باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح الأسئلة . فالسؤال الشريحة من ثقافتنا الباحث عن خلاص لم يطرح سؤال" ما العمل؟" و هو السؤال الذي طالما كرره لينين أحد صناع ثورة أكتوبر. و الحوار والديمقراطية أسئلة لم تطرح طرحاً شافياً لا في الحقبة  الناصرية و لا في الحقبة الصّدامية فهل عندما جاءت من الغرب مقرونة بدعوات " الإصلاح " أصبحت هي أيضاً أفكاراً مستوردة؟ الأزمة أزمتنا و من نقاط الضعف لدينا يتذرع المهيمنون على مقدراتنا اليوم. فهل يصدق أن الجنرال شارون و جنرالات الحرب على العراق جاءوا لتعليمنا الديمقراطية و الحوار؟ لكن علينا أن نعترف أن الفساد و الديكتاتورية و فشل البورجوازيات الوطنية في المحافظة على مكتسبات التحرر الوطني التي خاضتها الشعوب العربية طوال قرن بداً بثورة سعد زغلول في مصر المسبوقة بتجربة محمد علي أول ديمقراطية ناشئة في مصر و بدءاً بثورة العشرينات في العراق، كل هذه الإنجازات وجدت من يضيعها ضياعاً و هباءً منثورا. و حالما تنكرت الأنظمة لجماهيرها و حرمتها من حقوقها الدستورية و الإنسانية و الديمقراطية بدأ عصر الإنهيار الذي لا يمكن الخلاص منه بقصة أو قصيدة أو لوحة أو رواية عرمرمية. عندما تقع الهزيمة تنهزم الثقافة برمتها للحاكم و المحكوم و ينهزم السياسي و الأديب و الفنان و المثقف. فالهزائم لا تفرق بين السياسي و الإبداعي و الجميع يدفع الثمن و إن بشكل متفاوت. الشيوعيون في فلسطين مثلاً كيلت لهم الإتهامات عندما وافقوا على قرار التقسيم و القرار 242 فماذا أنجز من كالوا لهم التهم حتى اليوم؟ الشيوعيون في العراق ماذا جرى لهم على أيدي البعث؟ ثم ماذا جرى للحزبين اليوم على أيدي المحتلين؟ ألم يكن اضطهاد طائفة هناك و أخرى هنالك هزيمة غير معلنة لثقافتنا؟

في كل الأزمنة و العصور وجد مثقف للسلطة و مثقف متمسك بالشعب و ضد جور و تخلف و ديكتاتورية السلطة. خذ على سبيل المثال أمريكا نفسها التي تحتوي ثقافتها على مفكر مثل نعوم تشومسكي الذي ما أنفك يدينها و الثقافة الصهيونية خذ مثلاً إسرائيل شاحاك الذي ما أنفك يعريها و يدينها و ثقافة منظمة التحرير الفلسطينية و من ثم السلطة التي ما زال فواز تركي يدين تقصيرها تجاه شعبها، فهل من وردت أسماؤهم مثقفو استسلام أو تبشير؟ لكن إذا فشلت بعض القوى والأحزاب و الفصائل في تبني برامج واقعية ثورية تساهم في الحرية و التقدم و التغيير و الإصلاح و الديمقراطية فهذا شأنها و ليس شأن ثقافتها. إن ورود كلمة " حراب" في السؤال أحالني إلى الحراب التي هشم بها ستالين رأس مفكر ثورة أكتوبر الأممية تروتسكي العظيم صاحب كتاب " الثورة الدائمة" و الذي لو قدر له أن يتسلم أو رضي بذلك بنفسه ثورة أكتوبر بدلاً من ستالين لتغير وجه العالم.

 لكن لنعترف أن البقاء لثقافة أممية ستلعب الصين في السنوات  العشرين القادمة دورها التاريخي بها، و حتى ذلك الحين ربما يدرك السياسيون و المثقفون العرب خطورة الطائفية و الانعزالية و هزال البورجوازية و الطبقات الطفيلية الكومبرادورية  المستفيدة مما هو قائم الآن.و على الثقافة العربية أن تكون أكثر انفتاحاً على الآخر فليس كل آخر عدو و هي التي تحمل أعداءها بين ظهرانيها


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

ريتا محمود درويش هل هي تمارا بن عامي أم تانيا رينهارت ؟ The Beloved Jewish

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان