حركة إبداع تواصل إصداراتها بــ (أحد عشر دبا ووردة) لتيسير نظمي
الغلاف الأخير http://om-rush.blogspot.com |
حركة إبداع - عمان : بعد كتابها الثامن الذي حمل عنوان " مانيفستو 2004 " أصدرت حركة إبداع كتابا جديدا حمل عنوان " أحد عشر دبا ووردة" للقاص والروائي والمترجم تيسير نظمي ، وقد احتوى الكتاب الجديد لنظمي عناوين جديدة أيضا مثل؛ البيادر التحتا المهداة لصديق الكاتب في الكويت الكاتب ماجد سلطان و قصة قصيرة أخرى مهداة لصديق الكاتب في الأردن الناشط السياسي جمعة الجعافرة وقصة ثالثة مهداة للشاعر والناقد الفرنسي دانييل لوفرس والذي زينت قصيدة له كتبها في تيسير نظمي عام 2005 بخط يده الغلاف الأخير للإصدار الجديد وكانت قد ظهرت لأول مرة على الغلاف الأخير أيضا لرواية الكاتب (وقائع ليلة السحر في وادي رم) العام الماضي وكتب عنها ثلاثة نقاد حتى الآن مشيدين بمعمارها الجديد و هم د. زياد أبو لبن و د. محمد القواسمي و مؤخرا الكاتب والصحفي أسعد العزوني. ومن محتويات الكتاب الجديد أيضا قصة ( في مقتل البلاذري ) التي نشرتها مجلة (أفكار) الشهرية التي تصدر عن وزارة الثقافة الأردنية. وقصة بعنوان ( القاضي الشرعي الذي مات، مات) و قصص أخرى للكاتب بعضها نشرته اليوميات الأردنية مثل الدستور و العرب اليوم قبل إغلاقها. أما ما هو ملفت للانتباه في الكتاب الصادر حديثا فهو لوحة الفنان الكبير الدكتور نبيل شحادة التي زينت الغلاف الأمامي لأحد عشر دبا ووردة كاملا ، و المعروف عن المبدع الكبير نبيل شحادة أنه من مطوري الفن التشكيلي التجريدي على مستوى العالم و كان قد عمل أستاذا محاضرا في التصميم في الجامعة الأردنية قبل أن يتفرغ بالكامل لفنه ، سواء في زيوريخ حيث مكان إقامته الدائم أو في عمان حيث يقيم أيضا على فترات متقطعة. و فيما يلي ننشر قصة (البيادر التحتا) من محتويات الكتاب الجديد :
البيادِر التِحتا
إهداء: إلى ماجد سلطان
كان في بلدتنا أكثر من بيدر ، وفي كل بيدر
كانت لي مشكلة أو معركة ، خاصة البيدر التي قرب بيت جدي و مسقط رأسي، ما عدا
البيدر التِحتا، أي المنخفضة عن قمة الجبل وسفحه والواقعة قرب سكة حديد قطار لن
يصل. بلغني اليوم أن حبيبتي غيّرت طريق الذهاب إلى الفرن بعجينها المختمر الطري و
بالتالي فقد تُغير من طريق الإياب و تمر بالتالي بالبيدر التِحتا وسط غابة من
أشجار المشمش واللوز و التفاح و الزيتون. كان المشهد السفلي من ساحة بيت الجد
المطلة على الوادي وأشجار التين يعج بثوب عرس ربيعي مليء بأبيض نوار اللوز الصاخب
المبهج ، فما بالك وقد تمر به هي في ريعان الصبى ورائحة الخبز تنبعث من فوق رأسها
ومن هفهفة فستانها غير المدرسي ! و لكن من أين سأنطلق الآن لملاقاتها أو تتبُعِها
كما تَتتَبّعُ الكلابُ صاحبها أو تتبع عجيجَ غنمات الراعي ! كانت أمامي عدة خيارات
في الواقع ، لعدة طرق. أولاً أن أذهب للفرن نفسه فأراها عندما تخرج وأبدأ حملة
قصقصة الأثر خطوة بخطوة من ورائها تاركا مسافة معقولة بيننا كافية للحديث في مجتمع
محافظ لن يراعي طفولة مبكرة من رجولة مبكرة ويتعامل بالشرف تعامله مع البارود و
السكاكين بدءا من الموس الكباس إلى القنوة والمطاريق والدرباس. والشرف ما كان أكثر
من المرأة أو البنت الصبية مهما كانت طبيعة بلادنا فوارة بالفواكه التي بعضها فاضح
مثل الأجاص والتفاح والرمان و المشمش. لا ، لم يكن في بلدتنا موز أو ما شابه لكنها
كانت تعج أيضا بالحمير. و لم يبق حمار منها إلا ولي معه مشكلة أو حجر. و أحيانا
حبال الربط إذا كانت من النوع الذي يرفص. أما الخيار الثاني فهو أن أهرول مختصرا
المسافة فألتقيها على البيدر نفسه و هذه لها ميزة أن لا أحد سوف ينتبه للقائنا
عندما أقضي وضع الانتظار في لعب كرة القدم بمفردي على البيادر وأختبر مدى متانة
الكرة التي اشتريتها مؤخرا من نابلس بمبلغ وقدره. فألعب حتى تمُر و من ثم أقذف
بالكرة إلى الغابة كي أدعي أنني ذاهب لجلبها و هكذا لعلي أسترد قلبي الذي لعبت هي به بصمت وكأنه كرتها التي
اشترتها هي من الكويت. لكن هذا الخيار مغامر ، فهنالك صبايا مغرمات في الطريق إلى
البيدر و قد يدعين أنني تزعرنت معهن بكلمة أو صفرة أو حتى بمجرد سلوكي ذلك الطريق
لبيدر قرب بيتهم و ليست قرب بيتنا. و لو حدث ذلك لابتسمت مريم عند مشاهدتي ذاهبا
للمدرسة برأس ملفوف يغطي الشاش الأبيض عليه آثار القتلة أو المعركة، نعم سوف تبتسم
تشفيا من عدم إعجابي ولو لمرة بمريولها الأخضر ما فوق الركبتين و ساقيها
الممشوقتين بلون برونزي . أما الطريق الثالث فقد كان هو الطريق من منزلها إلى
الفرن ، و هذا عبث ما بعده عبث أن يتم اختياره. لم أكن مشتاقا تماما لحبيبتي ، و
ربما هي كذلك و قد اختارت ذلك الطريق لأول مرة كي لا تمُر من قرب بيت الجد الذي
كان لا يزال عام 1965 بيتنا قبل أن أُشرِف على بناء بيتنا في أعالي الجبل قرب
الشارع العام الذي يصل بين نابلس و جنين . لكن الخبر بأنها سلكت هذا الطريق أثار
فضولي و حبي للاستطلاع على قصتنا التي هي جزء من جمال الطبيعة من حولنا . ولماذا
لا أفترض أن أمها قد لاحظت شيئا مُريبا فأمرت ابنتها بتغيير الطريق ؟ أطلقتُ صفرة
واحدة كي يأتيني الرد من صاحبي الذي يستطلع لحسابي فيرد عليّ بصفرة قصيرة إذا كانت
لا تزال في الفرن و بصفرة طويلة إذا كانت غادرته أو بصفرتين متقطعتين إذا كانت
أمها ترافقها أو أحد أقربائها. و تأخر الرد . فأطلقت صفرة أقوى واحدة طويلة. ليأتِ
الرد كما لم أتوقعه و غير متفق عليه ، بثلاث صفرات قصار و من ثم ثلاث صفرات طوال.
ماذا يعني العكروت ؟ كيف لي أن أفهم ؟ و عندما دقّقت النظر في الحلة البيضاء
الناصعة من شمس أواخر آذار ، و جدتها هي التي كانت قد أنزلت لقن العجين الذي صار
خبزا ساخنا عن رأسها وهي التي تلعب مع واحدة من سنها تقريبا الكرة على البيادر
التِحتا ، ليس كرة قدم بالطبع ، بل كرة الطائرة ، و تتطلع باتجاهي و تضحك.
عمان – 2 أيلول 2016
تعليقات