سوبرماركت كبير جدا و حقيبة واحدة / قصة الكاتبة تسنيم العناتي Very Supermarket And One Bag



قصة تسنيم العناتي
سوبر ماركت كبير جدا وحقيبة واحدة

خرجت أرسم حلما بعد كابوسي الأخير .وجدت عملا في السوبرماركت  الكبير .سأبدأمن جديد . او أنني سأبدأ رغما عني فيكفيني جلوسا في قمقم من خجل .سأرتب البضائع بطريقة فنيه وسأكون لبقا مع الزبائن . العمل سهل . وسارتب ابتسامتي بما يتناسب مع انواع الزبائن .لم أكن  أعلم أن  أعوامي الثمانية والخمسين التي قضيت نصفها في الدراسة والعمل  لن تكون ورقة رابحة بعد هذه المرة في حياتي .ولم اكن أعلم أنني سأعامل كصبي في ورشة فقد انسانيته بتقبل ان يتلمسه الداخل والخارج  والرضى بنظرات الاحتقار العلنية الواضحة .و أن الأطفال مزعجين جدا في انتقاء حلواهم و أن العجائز مملات في اختيار  السلع .وأنه لا وقت لي  لقراءة كتاب ظننت أنني ساقرأه في وقت استراحتي .فلا وقت لراحة  او لحشر نفسي في عولمة العالم والفكر المهدرج .
حسن ، الشاب الوسيم الذي درس المحاسبة في القاهرة مكتنز الجسم بياض شعره غالب على ملامحه .مثقف جدا له مسائل كثيرة معلقة مع الله ، تركته زوجته التي كانت تصغره ب15 عاماوالتي كان همها أن  تحافظ على شكلها الاجتماعي بين صديقاتها الكريهات بعد أن  اتهمته الشركهة التي كان يعمل بها بالاختلاس . قضى عامين في السجن وخرج بعدها بلا ملامح لحياته وبنقطة سوداء  كبيرة على نزاهته وليس معه إلا أخته المليئة بالروماتزيم والعقد النفسية بعد عنوستها التي كانت بسبب سلاطة لسانها .
اخذت  زوجته ابنته سوار معها  بحجة أنه غير مؤتمن عليها  وهو لآن مجروح من سوار التي رفضت العودة معه بحجة انها مرتاحة مع والدتها  النبيلة.
كان يوما طويلا  تضاءلت  فيه فرحته  بالدنانيرالقليلة التي قرر أن انتظارها آخر الشهر بجد  متجاهلا نظرة الآخرين له وتساؤلاتهم هل فعلا هو مختلس أم أنه مظلوم !
يومه الثقيل جعله يجلس على كرسي لانتظار أي سيارة أجرة تقله وتقل خيبته معها .
طأطأ رأسه  وأخذ ينفث سيجارته  في الأرض . يدقها في الأرض علها تحدث ثقبا يبتلعه .
وجد بجانب الكرسي حقيبة بنيه اللون .يبدوأنها لشابة فالصبايا يحملن حقائب الرسغ بينما النساء الكبيرات يعشقن حقائب الكتف .
النساء عكس كل الكائنات كلما كبرن يفقدن احساسهن بجمال الحياة . أعاد الحقيبة إلى مكانها وهم بالرحيل . خطوتان اثنتان وعاد إلى الحقيبة.
قرر أن ينتظر صاحبة الحقيبة . الحقيبة انيقة . ترى ما شكل صاحبتها ؟ شرع  يتخيل شكلها ..رفيعة ! مكتنزة الصدر!  تنورة قصيرة وشعر ذهبي مع حذاء بكعب عالي !
منذ زمن هجر طريق النساء "لعنك الله ياسحر اختصرت كل سوء النساء  ومكرهن " قال لنفسه.
"سانتظرلنصف ساعة "  قرربينه وبين نفسه. لم يأت أحد  لأخذ الحقيبة .الوقت تأخر . إنها الثامنة وهو بحاجة للراحة."أريد ان أ رتاح " ووضع الحقيبة في كيس أزرق يضع فيه قارورة ماء وكتاب  ظل مغلقا طوال اليوم .
دخل المنزل وأخذ نفسا عميقا عندما وجد أن اميقه قد أعدت حساء العدس ووضعته على الطاوله . المسكينة أنهكها المرض. و حريصة على إعداد الطعام الذي يحبه.
"أحب أي شيئ يقدمه الآخرون لي دون أن أطلبه"
تناول طعامه البارد وجلس  يدخن . "أ كره الإنارة القوية" أطفأ النور واكتفى بشاشة التلفاز لتمنحه بعضا منه .
فتح الكيس ثم تناول الحقيبة دون ترد ليجد  كل شيئ مرتب فيها: محفظة النقود ،حقيبة المكياج الأنيقة، زجاجة ماء صغيرة، مصحف صغير، دفتر ملاحظات صغير، وقلم .علبهة مخملية سوداء اللون ، علبة عطر فيها أقل من الربع .مجموعه من الأوراق والفواتير في جيب الحقيبة الخلفي .
ثم بدأ بتناول محفظة النقود ليجد بها  400 دينارا. شعر بغبطة لمرأى النقود. فتح العلبة فلمع الذهب في عينيه بأسوارة ربما كانت من عيار 24 وثقيلة الوزن. الغبطة الداخلية تكبر وتتعزز أكثر .
فتح حقيبة المكياج .ألوان جميلة وبسيطة و قلمان من أحمر الشفاه بين درجات البني والوردي و3اقلام من الكحل أحدهم عفى عنه الزمن ولم يبق منه شيئ .ماسكارا ومعقم يدين .
أغلق الحقيبة وعاد  لمحفظة النقود يتفحص مداخلها ومخارجها . عثر على: هويه مدنية ل: نور خليل الزاهد.  الصورة غير واضحة لنور الزاهد من مواليد  البحرين. تاريخ الميلاد: 26 /1 /1980 و بطاقه صحية مع مجموعه من الكروت التي لم يهتم  بتقليبها  .
وورقة قديمة مكتوب عليها بخط جميل :
أنتِ كل العمر ونور الحياة  يا نور  فكيف للانسان ان يهمل وجها تلتقي فيه السماء مع السماء !
لا تغضبي مني فانا والله لم أقصد افزاعك  ولكن الدم حامي  وانا لم استطع الا الدخول في هذه الطوشه  ولكن اعدك في المرة القادمة ان امسك اعصابي . 
لك اكثر من 13  يوم تتجاهليني .. يكفي . انا اشعر بالقهر ...اما اذا بقيت مصرة على موقفك يا عنيده ف  انا اقسم انني لن اتعرض لك بعد هذه الرساله ابدا  ...
انتبهي لنفسك حبيبتي .
الطابق الثاني كليه الهندسة الساعة ال11 : 17 دقيقة
2/6/1999)
 وضع  المحفظة جانبا وفتح دفتر الملاحظات الصغير:
أرقام . ملاحظات. اسماء .واشارت .
الصفحة الأخيرة. 30 دينارا مواصلات .
الصيدلية 180 دينارا.
خضار للبيت + زيت ورز ودجاج 80 دينارا
دين للسوبرماركت 40 دينارا
حجز موعد لتحديد عملية امي 25
دين غاده 15دينارا
الباقي30 الحمد لله .
هرولت الأفكار في رأسه:  طيب لو اخذت هذه النقود ماذا سيحدث في العالم . لا شيئ وعليها ان تدفع ثمن اهمالها.
ماذا سيحث لي ان اخذت النقود ووكلت محاميا يحضر لي حقي ممن ظلمني . مذا سيفعل الله لي . لم اره يفعل شيئا عندما دلفت إلى السجن
ولم تتحرك عدالته لانقاذي . الله من فعل بي ذلك ؟
طيب لماذا لا افترض في الله حسن النية واقول انه يسّر لي هذه الحقيبة لأخرج من أزمتي المادية ؟
فرضا وجدها شخص اخر وتصرف بكل المبلغ وباع الأسوارة... هي ربما خريجة هندسة وتستطيع الاستلاف او تدبر امرها باي طريقة .
اصابه الذعر عندما سمع صوت باب غرفة امينه  يفتح فوضع الحقيبة جانبا اثناء، انارتها للغرفة ،  في الكيس واكمل السهرة الثقيلة  معها على مضض.
في الصباح خرج  مثقلا بالأرق .المنفضة مليئة بالسجائر .ولا يفكر بشيىء
****************************
المحل مليئ برائحة المواد الحافظة .عليه أن يمسح الغبار المتراكم على البضائع وعن هزائمه أيضا. و يفكر:"
في كل يوم اتأكد ان المجتمع لا يقدر سوى القشور الخارجيه  وان هذا الكائن الهلامي هو سبب مصائبنا .
عندما كنت شخصا ذا جيب يسمع فيه صهيل الدنانير كان الناس ليس كالناس الآن ... كان لا يفرط في واجب اجتماعي  ويلتزم بكل عادات المجتمع يركض خلف مجاملات البشر بحجة الاعادات والتقاليد . كنت شخصا طيبا في نظر الجميع .
فلتذهب الى الجحيم تلك العادات التي انبتت فينا عقدا لا نبرؤ منها ... فليذوي المجتمع المريض الذي لا علاقة له بالانسانيه الى اجحم جحيم .
العادات والتقاليد اوجدها اشخاص لتخدم مصالحهم وتشعرهم بالسعادة. اشخاص لم يكن لاحد سلطه عليهم.
قوانين كونية مقلوبة.شعارات رنانة مرفوعة يلوح بها اصحاب المبادئ الفاسدة والمتخمين بعهر نواياهم .
المجتمع ،العادات والتقاليد  والقهر الجبري . وانصياعنا لما يخالف فطرتنا . تحجيم الطموح والاحلام والرداءة في جودة التعامل الانساني ، كل هذا في مجتمعنا .
الحقيبة  ماذا سافعل بها ؟ هل اعيدها ام اعتبر انها جزءا من تعويض الله عما فعله معي ؟
دخلت عجوز تصطحب طفلة صغيرة تحمل لعبة ويبدو عليها اثر البكاء .
هذه ابنة ابني  تريد شبسا وعصيرا .... الله يرضى عليك تناولني علبه لبن وسط .

لم يعرف لماذا أحس أن لتلك العجوز والطفلة الباكية علاقة ما بالحقيبة التي عثر عليها وأنه من الممكن أن تكون زيارتها للسوبر ماركت علاقة جس نبض له كي يمنح فرصة أخيرة كي يعيد الحقيبة لصاحبتها . أحس بالخوف من الفضيحة و أحس بالمسؤولية للتحرر من الخوف والاستمرار بالاحتفاظ بما ليس له . و حلما خرجت العجوز و الطفلة هرع إلى الكيس الأزرق واخرج مجموعة الاوراق التي كانت في جيب الحقيبه وبدأ يبحث عن  فاتورة المشفى التي كانت تحمل رقم هاتف فنقله فورا لهاتفه متصلا دونما تردد:
- السيده نور؟
- نعم : تفضل !
 بقيت صامتة  وكأنها عرفتني أنني قد وجدت الحقيبة  !
كدت  أسمع تقافز اطفال الفرح في صوتها .
- اتصلت بك من رقم عثرت عليه في الحقيبة
-اه الحمد لله شكرا لك شكرا لك .
- بعد ساعتين عندي موعد في محكمة المدينه سانهي عملي هناك واتصل بك لارى كيف يمكن ان اعطيك الحقيبه .
- ممتاز ستجدني  بانتظارك .
انهيت عملي  في المحكمه واتصلت عليها وانا اهم بالخروج.
فاجأتني بقولها : في المحكمه انتظرك . كل هذا لهفة على  الحقيبة ؟
قابلتها  في كافتيريا المحكمه ... فتاه بقميص ابيض بنطلون اسود شعرها البني مرفوع برسمية الى اعلى .
بيضاء صافيه الملامح . عيناها لوزيتان بندقيتا اللون.
شكرتني بحرارة وسالتني ان كنت اعمل  هنا ؟؟
-        لم ارك من قبل!
-        لي قضية اتابعها . وجئت ارى محاميا هنا لاستشارة قانونية  .
-        اذن تفضل هات ما عندك انا محامية وان شاءالله استطيع مساعدتك !
-        اردت ان اسال كم تكلف اتعاب المحاماة في قضية كقضيتي ؟
وبدات اشرح لها وهي تتابعني باهتمام . كاهتمام شخص  يحاول امساك طرف خيط ما .. او ايجادحلقة ما !
شرحت لها كل شيئ وازلت عني كل ثقل كنت اعجز عن انزاله عن  نفسي .
كانت 3ساعات ك3 دقائق افرغت كل تفاصيل القضية ... شعرت بالراحة بعد ان ودعتني  واخبرتني انها ستستلم القضية وان الاتعاب ستكون مؤجله ...
بقيت انتظر الصباح واذهب لمسح أغبرة الأرفف . وانتظر هاتفها ورسائل الله  ... الله الذي بدأ يحل مسائلي العالقة معه .
كنا نتحدث احيانا ونتقابل احيانا اخرى .
بدات اشعر ان الحياه لا تقف عند اي انتكاسة .. ولا عثرة حظ وانني لا اهزم الا اذا كان الداخل قابلا للتشوه وتشرب ما اسقطه الاخر علي .
جاء موعد الجلسه و لم اتمكن من الذهاب لمعرفه الحكم ... هاتفتها فطلبت مني ان اقابلها في المحكمه .
شعرت بالقلق . وصلت. كانت تجلس يرصانه لم يبدو عليها اي شعور .لم استطع قراءتها .
قدمت لي الحقيبه ذاتها .
-        ما هذا ؟
-        افتحها
-        عفوا لم افهم .
-        افتح الحقيبه يا حسن
بقيت مرتبكا جدا .
-        لا  لن افتحها 
بقيت تنظر لي وعلامات الابتسام تتسرب الى ملامحها وكانها انتصرت على شيئ ما .
فتحت هي حقيبتها واخرجت بعض الاوراق .
قالت :
-        مبارك البراءه  والتعويض استاذ حسن .
-        الخطوه التالية هي رد اعتبارك . بان تجد عملا افضل من هذا وتبدا من جديد .
اخرجت كرتا من حقيبتها وقالت:
-        ربما سيساعدك صاحب الكرت !
شعور مضطرب وهي تناولني  كانني طفل اصابته حاله من العطش والارتواء في نفس الوقت .
وسالتها لماذا ؟
نظرت بفرح :
لأنك أنقذت والدتي وحفظت  ماء وجهي   من سؤال الآخرين .
لان من يحتفظ بنفسه لا يمكن ان يخون العالم ... انت من الندرة الذين انتصروا على لعنة الحياة ولعنوها بالامل .
 رددت لك جزءا من الجميل . غادرتني ذاهبة الى عملها .

وغادرتها وانا على يقين ان اولاد الحلال بدأوا بالظهور بمجرد ارجاع الحقوق لاصحابها . عودة عشرات و آلاف و ملايين الحقائب و البقج و البقج و الحقائب 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

ريتا محمود درويش هل هي تمارا بن عامي أم تانيا رينهارت ؟ The Beloved Jewish

الحراكات والإسلاميين ينظمون مسيرة اصلاحية كبرى عشية الإنتخابات