اسرائيل معنية بحماية الكيان الأردني مثلما كانت من قبل
من يحمي الأردن؟
اسرائيل معنية بحماية الكيان الأردني مثلما كانت من قبل
أمير اورن
هآرتس 14/3/2014
رئيس وزراء شاب (نسبيا)، وقف هذا الاسبوع أمام منصة الخطابة في الكنيست. مثّل دولة في حالة تفكك، وان كانت مع سلاح نووي وادعاءات قوة عظمى، وبنيامين نتنياهو كان يحق له أن يحسده، وذلك لان ايتون واكسفورد لا تزالان تعلوان في الدرجة فوق كلية فيلادلفيا وام.آي.تي. الخوف من فقدان اسكتلندا لا يقلق دافيد كامرون مثلما يثير فقدان الضفة الغربية الخوف لدى نتنياهو. كامرون، ابن 47، نحو أربع سنوات في منصبه، هو الان في العمر الذي كان فيه نتنياهو في بداية طريقه في رئاسة الوزراء، قبل17 سنة.
عندما هدد نتنياهو كامرون بصواريخ ايرانية عابرة للقارات قد تصل الى لندن مع رأس متفجر نووي، سمعت في القاعة الضحكة العليلة لرفيف اجنحة التاريخ في الجيش البريطاني. فبريطانيا واسرائيل كانتا ذات مرة قبل عقد من مولد كامرون، شريكتان في مؤامرة، حملة السويس ـ سيناء (‘موسكتير’، باللغة الانجليزية والموسكتير (الفارس) الثالث فرنسا) ضد مصر. وقد انتهت تلك المغامرة بتهديد مبطن من رئيس الوزراء السوفييتي، نيكولاي بولغنين، باطلاق الصواريخ نحو لندن، باريس وتل ابيب.
وقد صيغ تهديد بولغنين على سبيل السؤال البريء، وكأنه أجرى استطلاعا للرأي العام: كيف كنتم برأيكم ستشعرون لو كنتم هدفا لقصف من النوع الذي تلقته مصر؟ مضافا اليه الضغط الامريكي، كانت تكفي هذه الاقوال لاخافة انطوني ايدن، جي مولا ودافيد بن غوريون الى ان انسحبوا من قناة السويس، من سيناء ومن غزة.
الصاروخ النووي الايراني الذي ليس موجودا بعد يفزع الغرب، خلافا لاسرائيل، بقدر اقل من القوة السوفييتية المتشددة في الخمسينيات والستينيات. ولكن معطى واحد لم يتغير: هشاشة الاردن، الذي يحتاج الى حماية غربية وفي حالة الطوارىء الى سند اسرائيلي ايضا. في 1956 قام التضليل الاسرائيلي على الافتراض بان لا امكانية عملية لاخفاء تجنيد الاحتياط ونشر القوات في الجنوب، ولكن يمكن الايقاع في الخطأ لجامعي المعلومات الاستخبارية وتوجيه تقويم النتائج في اتجاه كاذب الاردن بدلا من مصر.
هذا البطل لا يمكن انقاذه
‘أكثر مما اردنا تضليل العرب’، قال رئيس أركان حملة السويس، موشيه دايان، بعد عقد من ذلك، ‘أردنا تضليل الامريكيين’. فاسرائيل ليس فقط لم تهاجم الملك حسين في حينه، بل منذئذ هرعت المرة تلو الاخرى لمنع انهيار نظامه تحت ضغط جمال عبدالناصر أو ياسر عرفات، بسماحها للبريطانيين اجتياز مجالها الجوي لنقل القوات في صالحه وأخيرا (ايلول ‘الاسود’ 1970) بالتواجد للتدخل العسكري ضد م.ت.ف وسوريا، اللتين ارتبطتا ضده.
التقدير في واشنطن، قالت رئيسة الوزراء غولدا مائير قبل أن تصل دعوة الملك حسين للتدخل الامريكي بل والاسرائيلي لانقاذه من أزمته، هو أن ‘هذا البطل لا يمكن انقاذه. اذا لم يكن قادراً على انقاذ نفسه، فلا يمكن انقاذه. المعجزة وحدها يمكنها أن تنقذه’. الحسين لا يستطيع أو لا يريد؟ ‘الاشخاص الذين يقولون انه لو أن الملك أعطى أوامره لجيشه، كما تريد اجزاء واسعة بين الضباط ـ لكان يمكنه ان يصفي (م.ت.ف وعرفات’).
عندما انتهت ازمة بقاء اخرى للحسين، عادت غولدا الى لجنة الخارجية والامن في الكنيست وأجملت بالقول: ‘المعارك الكبرى أنهاها، ولكن الحياة السهلة لم تكن له وعلى ما يبدو لن تكون له’. أحد أسباب فشل أعداء الحسين في حينه هو امتناع العراق، الجار الكبير والقوي من الشرق، الذي كان له في الاردن الاف الجنود، عن التدخل ضد النظام. الحليفان السريان اللذان ردعا العراق، العدو المشترك لهما، من السيطرة على عمان كانتا اسرائيل وايران. الشاه، باخوة ملوكية مع الحسين، كان محور السياسة الامريكية في شبه الجزيرة العربية والخليج. واحدى مهامه، التي شكلت ايضا مبررا لتزود جيشه بسلاح امريكي كثير، كانت الإسراع لنجدة الحسين (ومنع سيطرة الثورة الشيوعية، الناصرية او الاسلامية على السعودية.)
ولم تغير ثورة الخميني المعادلة الاساس في السياق الاردني، رغم أن ايران خرجت من خانة اصدقاء اسرائيل (مع وقف التنفيذ) واضيفت الى اعدائها. ولا تزال على حالها امكانية أن يؤدي انهيار الاردن الى ابتلاع اجزاء منه في سوريا، في السعودية وبشكل خاص في العراق، بشكل يثقل جدا على الوضع الاستراتيجي لاسرائيل. وأكياس الاسمنت التي كان يفترض أن تموه الصواريخ في سفينة ‘كلوز سي’ لم تحمل عبثا اسم ايران بل المقدمة ‘الجمهورية الاسلامية’ بالاحرف الاولى. فالملكية في طهران (وقبلها في القاهرة، في بغداد وفي طرابلس) الغيت؛ فماذا يحصل اذا ما سارت الملكية في عمان في أعقابها؟
في واقع الحال، يحسد نتنياهو الخميني ويتطلع الى محاكاته بمنح اسم جديد للدولة الجمهورية اليهودية الاسرائيلية. ويمنع التعريف كل تعديل مستقبلي للميزان الديمغرافي، تقريبا مثلما طلب المسيحيون والسنة في لبنان استمرار الحفظ المصطنع لنتائج الاحصاء السكاني الظالم للشيعة في الاربعينيات. وفي السياق الاردني، هل يوجد لاسرائيل موقف بالنسبة لهوية الدولة؟ المملكة الهاشمية، حتى وان كانت الاغلبية فيها فلسطينية؟ أم ربما الجمهورية الفلسطينية الاردنية؟ العودة الى الشعار القديم، ‘الاردن هو فلسطين’، على أمل ان تكتفي بالضفة الشرقية وباجزاء من الضفة الغربية، دون غور الاردن ومجالات المستوطنات؟ فهل الاردن الجديد سيكون مطالبا باقرار اتفاق السلام مع اسرائيل اليهودية؟ اذا ما رفض، او اذا ما وقعت في ايلات، في وادي عربا، في البحر الميت او في غور الاردن وغور بيسان عمليات خرجت من أراضيه، فهل ستخرج اسرائيل مرة اخرى الى عمليات انتقامية؟
تواجد متقدم
هذا هو السؤال الاساس الذي يعتمل تحت المثلث الاسرائيلي الفلسطيني الاردني. ما وقع هذا الاسبوع على جسر اللنبي، في مواجهة القامة المنتصبة الاسرائيلية مع القاضي الاردني من اصل فلسطيني، يمكن ان يحصل في صيغة مختلفة عندما ينتقل الجسر الى سيادة فلسطينية. واذا ما عربدت الديمقراطية في الاردن، مثلما في مصر قبل ثلاث سنوات وسنتين، وصعدت الى الحكم عناصر متزمتة ومناهضة لاسرائيل، فهل سيتدخل الجيش بتشجيع امريكي واسرائيلي؟
وكأنه لم تكن تكفي الضغوط من جانب العراق وايران واضطرابات مؤيدي حماس فان نظام الملك عبدالله قد يجثم تحت العبء الامني والاقتصادي لمئات الاف اللاجئين الذين تدفقوا الى الاردن من سوريا الممزقة بالحرب الاهلية.
وكان الرد الامريكي هو دفع مساعد مالية ومرابطة الاف الجنود لحماية الحدود ونظام المملكة ‘تواجد متقدم للقيادة الوسطى الامريكية في الاردن’، على حد قول الجنرال لويد اوستن، قائد القيادة الوسطى الامريكية، في الشهادة التي ادلى بها امام مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي.
يحرر هذا التواجد الجيش الاسرائيلي من التأهب لاعادة تنفيذ المساعدة لابي عبدالله قبل 44 سنة، ولكنه يلزمه باجراء تنسيق وثيق مع جيشين الامريكي والاردني.
ليس صدفة أن تكون اثنتان من الابتسامات الاكثر حميمية لرئيس الاركان بيني غانتس، في لقاء القيادات العسكرية في مقر حلف الناتو في بروكسل في كانون الثاني، ابقيتا لنظيريه من البنتاغون (الجنرال مارتين دمبسي) ومن الجيش الاردني (محمد مشعل الزبن). فعندما التقى بيني بضابط القوات الخاصة مشعل كان يمكن قطع الجو الودي بسكين كوماندو، مثلما يجري في اللقاءات الدائمة لقادة الالوية، الفرق والقيادات وضباط الارتباط من شعب التخطيط في هيئات الاركان العامة.
من جهة اخرى، لا يجدر بنا أن نذكر نتنياهو باسم ‘مشعل’، وبالذات ليس في السياق الاردني.
تعليقات