أبو عودة: نأمل أن ننجو من قوى الشد العكسي في الأردن

عدنان أبو عودة -(أرشيفية)

أبو عودة: نأمل أن ننجو من قوى الشد العكسي في الأردن
يناير 28, 2014


قال رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة إن الأردن نجا من العنف الذي رافق بعض دول الربيع العربي. لكنه أعرب عن أمله بأن "ننجو من قوى الشد العكسي وذلك بالنجاح بتوطيد مبادئ الإصلاح وفي تأكيد مفهوم المواطنة والعودة إلى التعددية وقطع دابر الفساد".
وأضاف أبو عودة في لقاء أجرته معه صحيفة "الدستور" أن الوضع العربي الراهن عبارة عن مريض محزن ذي أفق مسدود، أما أعراض المرض فهي معروفة ومألوفة للجميع، ولا مانع لدي، أو لا بأس من ذكرها، كما كشفت عنه بكثافة السنوات الثلاث الأخيرة التي عرفت باسم الربيع العربي.
وعدد أبو عودة أعراض المرض القائم حالياً، قائلاً إنها تتمثل في سلطوية الحكم وغياب الديمقراطية في الوطن العربي؛ أي غياب المشاركة في القرار السياسي والاقتصادي، النزوع نحو الاستهلاكية غير المتوازنة، وهذه بشكل خاص نراها في الأردن، فهي تتناقض مع المثل الشعبي الذي تعلمناه من آبائنا والذي يقول، (على قَدْ فراشك مِدْ رجليك)، الغنى الفاحش لبعض المجتمعات العربية مقابل الفقر الواضح المتعب في الجانب الآخر في العالم العربي.. الإقبال على استخدام التكنولوجيا المتجددة في البلدان الصناعية دون التفكير مطلقا في المشاركة في انتاجها، وهذه ظاهرة مرضية مرعبة، وهي من أسباب التخلف الذي نحن فيه باعتقادي.. وتحدث عن تخلف التعليم عن متطلبات التطور الحديث، واتساع الفجوة بين الواقع وحركة التقدم في العالم، ثم بروز مشكلة الهويات في العالم العربي التي تصاحبها نزاعات تصل حد الحروب الأهلية كما هي الحال في العراق..
وتعبّر هذه الأعراض، في نظر أبو عودة، عن جدليات حادة، تجعل من إمكانية التطور والتغيير عملية شاقة مربكة ومرتبكة، وسأعرض لهذه الجدليات على الشكل الآتي، لدينا جدلية الفقر والغنى، جدلية (الريف والمدينة)، جدلية المتدين والعلماني، جدلية الأجيال «الشباب وكبار السن»، جدلية التمسك بالأمر الواقع والإصلاح والتجديد، الجدلية المذهبية «سني وشيعي»، جدلية الابتزاز والاسترضاء، جدلية الطبقات، جدلية الاستقرار والمواجهة، كل هذه الجدليات قائمة وتجعل من الوضع العربي واقعاً معقداً بشكل عجيب وغريب، ليس من السهل أن تفككه وتحاول أن تضع حتى نظريات لإصلاحه، جدليات تعمل طوال الوقت، في كل مكان في العالم العربي.
وتابع: قبل الربيع العربي أخذت هذه الجدليات شكل حوارات وأفكار وكتابات، بعض المفكرين كانوا يتناولونها وما زالوا حتى يومنا هذا، لكن هذا الشكل السلمي انقلب إلى عنف كما تعلمون مبتدِئا في تونس، ومنتشراً في معظم الدول العربية، وبعد ثلاث سنوات لا يبدو أن الحوار العنيف قد أتى أُكله كما تصور الناس على الصعيدين العربي والعالمي، فنحن والعالم اعتقدنا أن النتائج ستأتي قريباً، مستوحين ذلك من الأحداث الآتية: هرب ابن علي، عزل مبارك أو استقالة مبارك، مقتل القذافي، وتنازل علي عبدالله صالح، هذه الأحداث الأربعة أوحت إلى الناس أن الأمور تسير وفق ما يتمنون، والنتائج قريبة المنال، وبمعنى آخر ما زالت المجتمعات العربية في حالة انتقالية ليس من السهل التنبؤ بمسارها أو مآلها، مثلما أن الإقليم بمجمله في حالة انتقالية، وذلك من خلال تبدل مراكز القوى في الإقليم، الآن هناك حديث عن ثلاث قوى جديدة ستظهر في الإقليم، وظهرت بالفعل، وهي: إسرائيل وتركيا وإيران، يفكر المرء أين ذهب العرب؟!
وأكد أبو عودة: نحن خارج اللعبة، خرجنا منها، إذاً كل بلد عربي في حالة انتقالية، أي الإقليم في حالة انتقالية، والعالم يعيش الآن في بيئة انتقالية من القطب الواحد إلى التعددية القطبية، إذاً أهم سمة للعالم الذي نعيش فيه بأن هناك حالة انتقالية بكل مكان فيه، محلياً، إقليمياً وعالمياً، والتحول العالمي من أحادية القطبية إلى تعددية القطبية واضح للذين يتابعون ويقرأون، وقضية ما سمّاها الرئيس أوباما الاستدارة تجاه (الباسيفيك) هي جزء من هذا التحول العالمي، وجزء منه انعكاسات المواقف الغربية على إقليمنا، وأهم موضوع هو سوريا حاليا.
سوريا ساحة للاعبين الإقليميين
ففي العالم العربي على ضوء هذا الكلام، سوريا ما زالت في حرب أهلية، وما عادت لاعباً إقليمياً، بل ساحة للاعبين الإقليميين والدوليين، نتمنى أن ينجح الحل السياسي القادم الذي يتم الحديث عنه باتجاه الديمقراطية والتعددية، بحيث تحافظ على مكانتها الإقليمية، لأنها حتى لو اصبحت فيدرالية كما يقال نكون خدمنا إسرائيل الخدمة الثانية عدا الخدمة الأولى المتمثلة بتدمير الذات، أما مصر فهي في أزمة جديدة نتمنى لها الخروج منها نحو التعددية والديمقراطية..
وبالنسبة للعراق فهو في حرب أهلية مذهبية، جميعنا يعلم ما يحصل في العراق كل يوم.. أما اليمن فما زال في حوار ساخن.. وليبيا تخوض حرباً قبلية على الغنائم.. أما لبنان فيجهد حالياً بإنجاح سياسة النأي بالنفس، لكنه ليس بقادر، فهو معرض لانتقال وباء الحرب الأهلية السورية إلى أراضيه..
أما فلسطين فلا ندري أين يتجه مركبها، ويبدو من هذه الصورة العامة أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة، وهي التي فجرت الربيع العربي ككل، يبدو أنها الوحيدة التي قد يزهر أو تزهر حقولها بالربيع، وبرأيي أن هناك أملا كبيرا أن نقول ذلك والسبب يعود إلى مستوى نخبتها، فالنخبة التونسية راقية، بغض النظر إن كانوا علمانيين أو إسلاميين، وربما يكون السبب هو القرب من فرنسا وإيطاليا والتفاعل مع أوروبا القديمة، وربما السبب الثاني قد يبدو أحياناً به مفارقة وهو الحبيب بورقيبة، فهذا الرجل بدأ بدايات ممتازة في تونس، حيث تشكل جيلان من النخب؛ زرعوا زراعة أخرى تختلف عن العالم العربي.
وشدد على أن أفضل وصف للوضع العربي الراهن هو فشل الدولة الوطنية، فشلت الدولة الوطنية، بغياب التعددية أولاً وغياب مفهوم المواطنة، الذي حل محله معادلة عجيبة أسميها التقرب والتقريب، فلماذا فشلت الدولة الوطنية، وأدى فشلها إلى ما أدى إليه من تخلف وعنف وكراهية وفساد، وهل هنالك بصيص أمل يدعو للتفاؤل؟ فيما يأتي سأتناول الأمرين، أولاً كيف حدث الخراب؟ حتى أشرح ذلك سأشير إلى تواريخ معينة، وهي ثلاثة ومتعلقة بالحروب، التاريخ الأول الحرب العالمية الأولى، والثاني نهاية الحرب العالمية الثانية، والثالث هو نهاية الحرب الباردة.. ونرى كيف تشكّل العالم العربي مع كل حرب.
وتابع: الحرب العالمية الأولى جاءت في وقت صعب، كان في العالم قوتان، قوة برية مثلتها روسيا القيصرية التي توسعت برا في آسيا حتى وصلت إلى مشرقها، وقوة بحرية مثلتها دول أوروبا الغربية، وهي كل الدول الأوروبية المطلة على المحيط الأطلسي، من الدنمارك حتى تصل إلى هولندا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال، فهذه هي الدول الأساس التي توسعت في آسيا وفي أفريقيا، اولا في عصر الاكتشافات في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، بعد ذلك جاء عصر الاستعمار؛ لأن هذه الدول بدأت تربط ما بين الانقلاب الصناعي ومنتجاته التي لديها والمواد الخام في المستعمرات والبحث عن مستهلكين في تلك المناطق ومزودين لها بالمواد الخام، حصل الاستعمار بهذا الشكل، لكن أين أمريكا في هذا الموضوع؟! أمريكا أيضاً أجرت توسعين، بريا وبحريا، في الأول، أكملت الولايات المتحدة حجمها الحالي الذي نعرفه، أخرجت فرنسا من بعض المناطق وأخرجت المكسيك من مناطق أخرى واشترت من روسيا آلاسكا، أما التوسع البحري فقد تم في العام 1898، حيث اخرجت إسبانيا من مستعمراتها في المحيط الهادي والبحر الكاريبي، فأخرجتهم من كوبا ومن جزر في المحيط الهادي إلى أن وصلت للفلبين العام 1898 وقبلها جزر هاواي، إذاً أمريكا أيضاً قامت بتوسعين، بري في الداخل وبحري في الباسيفيك، لكنها بقيت بعيدة عن أوروبا، تراقب، وهي أيضاً مثلها مثل الدول الأوروبية دخلت في الانقلاب الصناعي وأصبح لديها صناعة ومنتجات صناعية وتحتاج الى مواد خام.
أهم شيء في التاريخ
ولفت أبو عودة إلى أن أهم شيء في التاريخ، ظهور أمرين مترافقين، الأول اختراع آلة الاحتراق الداخلي وهي أساس المركبات الحالية من سيارة الى غواصة الى طائرة الى دبابة.. الخ، تم اختراعها في أوروبا، والامر الثاني هو اكتشاف النفط أولاً في أميركا في أوكلاهوما وفيلادلفيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واكتشاف النفط في المشرق العربي، في إيران ثم في العراق والذي بدأ انتاجه في ايران العام 1903 من قبل شركة بريطانية، أما الاكتشاف الثاني فقد تم في العراق اثناء قيام المهندسين الالمان في مسح الاراضي العراقية تمهيدا لبناء خط جديد «برلين بغداد» بحكم الحلف القائم بين المانيا وتركيا حيث شاهد المهندسون الالمان النفط على وجه الارض على شكل «نشىء»، وكانت هذه بمثابة جائزة كبرى للغرب الذي بدأ يفكر في العراق وما حولها هدفا لامتدادهم وسيطرتهم واصبحت المنطقة هدفا استراتيجيا للدول الغربية الصناعية.
وهكذا جاءت اتفاقية سايكس- بيكو على هذه الخلفية من المعرفة الغربية بقيمة هذه المنطقة، التي وقعت بقرار من عصبة الامم تحت الانتداب البريطاني والفرنسي وكانت مصر سبقت العراق وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين بوقوعها تحت السيطرة البريطانية منذ ثورة عرابي 1882م وذلك بسبب قناة السويس كممر بحري حيوي للتجارة البريطانية بعد ان كانت احتلت عدن العام 1830م فضلا عن وجودها في ممر جبل طارق قبل ذلك التاريخ بكثير، وبذلك كانت بريطانيا امّنت الممرات البحرية الثلاثة قبل الحرب العالمية الاولى وكان الغطاء القانوني للانتدابين البريطاني والفرنسي هو عصبة الامم التي اعطتهما حق الانتداب على هذه المنطقة، أما الغطاء الاخلاقي فكان انهما منتدبتان للأخذ بيد شعوب المنطقة نحو الحداثة كي تتمكن من حكم نفسها بنفسها، وفعلا ادخلت الدولتان المنتدبتان على المنطقة القانون الغربي كما أجرَتا تحديثا في التعليم.
وقال: انتهت الحرب العالمية الثانية بأن حرر الاتحاد السوفيتي بلاده من الغزو النازي وتوسع غربا باتجاه اوروبا الشرقية، حيث اصبحت بولندا ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا ولتوانيا ولاتفيا واستونيا تحت سيطرته، اما الولايات المتحدة فقد اصبحت في موقع يسمح لها بوراثة مستعمرات الدول الغربية الاوروبية منتفعة من نشوء الامم المتحدة وقيام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومشروع مارشال في اوروبا.
حقبة تصفية الاستعمار
بالنسبة لنا كان اهم شيء هو قرار اميركا بانها الاستعمار الغربي ودخل العالم في حقبة يطلق عليها في الامم المتخدة «حقبة تصفية الاستعمار» وهي مهمة لنا؛ لأنها ترافقت مع سلسلة الاستقلالات العربية. فالاردن مثلا استقل في ايار 1946م، ونشأ عند الاستقلال تحد؛ وهو كيف ستبني الدولة العربية المستقلة حديثا نفسها؟!.
وقد ترك لنا الاستعمار نظاما إداريا راقيا، وأذكر في الخمسينيات والستينيات أن النظام الإداري في الأردن كان أرقى نظام إداري في المنطقة وكانت الادارة راقية وممتازة، بل إن الخليج أيضا الذي استقل بعدنا بقليل كان يأخذ منا الإداريين حتى يؤسسوا له لإدارة شبيهة بالإدارة الأردنية.
وتابع: وقع حدثان متتاليان، أربكا كل شيء، الأول نكبة فلسطين 1948م، أَسست لعدم الثقة بالحكام العرب وشعوبهم، كان وقتها عدد الصحف قليلا جداً والإذاعات كذلك، ومع ذلك فإن الروح التي ولّدوها لدى الناس في العام 1947، بعد قرار التقسيم، هي أنهم سيمسحون اليهود عن بكرة أبيهم، دخل العرب وحصلت النكبة، فبدأ الشك يقوم ما بين الشعب والحكام، لكن لم يبحث أحد في السبب الحقيقي للهزيمة، فلا أحد يحاول أن يعرف الأسباب، لكنني سأنسبها بشكل عام، كما تبين لي من خلال خبرتي السياسية، الى أن فهم الزعماء العرب للصهيونية بسيط، وساذج، ولم يعرفوا إسرائيل عندما تشكلت كيف يتعاملون معها، وأختاروا ان يتعاملوا معها كدولة واغفلوا انها قائمة على حركة، وهذه مشكلتنا الكبيرة إلى يومنا هذا، فلم ندرك سر مخاوفها والحيز العالمي الذي تعمل فيه وبخاصة العالم الغربي وكيف توظف جاليتها في الغرب للانتصار الى اهدافها في التوسع، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه.
أما الحدث الآخر الذي حصل بعدها فوراً، فهو اول انقلاب عسكري في العالم العربي بعد الاستقلال وكان ذلك العام 1949م، وهو انقلاب حسني الزعيم، ثم تلاه انقلاب سامي الحناوي وبعده انقلاب أديب الشيشكلي، وبعدها عاد الوضع الى فترة بسيطة للتعددية الحزبية وبعدها جاء انقلاب البعث وبقي الوضع تحت حكم الحزب الواحد الى يومنا هذا.
الوطنية والمواطنة
ثم جاء الانقلاب الثاني في مصر العام 1952، ثم الانقلاب الثالث في العراق العام 1958، كل الانقلابات التي حصلت في العالم العربي اتفقت على أمر واحد، حظر الأحزاب السياسية، أي قطع رأس الديمقراطية والتعددية السياسية، وبذلك نشأت سياسة «التقرب والتقريب» فانتعشت الهويات الفرعية، وذهبت كل معاني الديمقراطية والدولة الحديثة؛ لأن أهم عنصر في الدولة الحديثة هو حكم القانون والمواطنة، وبذلك نشأت بنية ذهنية خاطئة ما زالت قائمة في العالم العربي حتى يومنا هذا، فمثلا من المصيبة أن لا يعرف الشخص الفرق بين الوطنية والمواطنة، المواطنة هي حالة قانونية تصف العلاقة بين المواطن والدولة، حقوقاً وواجباتٍ، لكن الوطنية أمر آخر، وهي أمر عاطفي يعبر عن نفسه بشكل ايجابي تجاه الوطن. وهذا الأمر يدخلنا في بُعد جديد، هو «المفهمة» اي التعامل مع مفاهيم وعدم الاكتفاء بقصص وحوادث دون محاولة قراءتها في قوالب مفاهيمية لكي نعرف بالضبط اسباب ما يحصل وكيفية التعامل معه.
وقال أبو عودة: نأتي للتاريخ الثالث، وهو نهاية الحرب الباردة، اذ بعد انتهاء الحرب الباردة وخلال عامين أصبحت أوروبا الشرقية ديمقراطيات، بينما بقيت الدول العربية في ظل السلطوية؛ ما لفت انتباه المفكرين في العالم وأخذوا يتساءلون عن سر فشل العالم العربي باحداث النقلة كما حدث في اوروبا.
وأشار إلى أنه جاء الربيع العربي ليبشر إلى أن العرب سيحدثون النقلة نحو الديمقراطية لكنهم فوجئوا بأن النقلة لم تحدث والعالم العربي كما وصفناه في مطلع هذا الحديث بقي على ما هو عليه من انقسامات وحروب أهلية وأعمال عنف وغير ذلك.
وتساءل أبو عودة: هل هنالك من بصيص أمل؟ أولاً لنعترف أن الربيع العربي لم يرتق إلى مستوى الثورة، وإن كانت تطلعاته ثورية، والتغيير الثوري كما علمنا التاريخ يكون عادة مرتبكاً غير واضح، ويستغرق وقتاً أطول مما يظن الثوار أنفسهم.
الوضع العربي ما زال في حالة انتقالية، والسائد حتى اليوم هو السلطوية، وإن كان هنالك بداية تغيير نحو التشاركية يفرضها مستوى الوعي الحالي غير المسبوق في منطقتنا، فالوعي العام في الوقت الحالي أفضل بكثير مما كان عليه قبل سبع سنوات، والفضل يعود إلى عدة أسباب، أحدها وسائل الاتصال الحديثة ، وأحياناً أنا أحذر منها، فالانترنت والفيس بوك والتويتر تعبر عن نوع من الاتصال لكنه ليس اتصالاً ينتج تنظيماً، إنه أقرب إلى البوح منه إلى التنظيم، لأنك لا ترسل رسالة لآخر تحادثه، أنت تطلقها على عواهنها، فيقرأها من يقرأ، وبالتالي فيها مفاهيم جديدة لكنها لا تصل إلى مرحلة صنع التنظيم.
يحاول البعض اتهام الربيع العربي بأنه مؤامرة، وهذا هو ما تدعيه قوى الشد العكسي، إذْ تميل الى تسمية اي تغيير في الأمر الواقع مؤامرة ومرد ذلك هو الخوف على مكتسبات الأمر الواقع مثلما ان مرد ذلك عند البعض هو الكسل الذهني لانهم لا يُجرون محاولات جادة في الحفر العميق في الظاهرة وفي أسبابها ولماذا نشأت وماذا يغذيها ولماذا هي باقية إلى يومنا هذا؟؟، فهذا الأمر غير موجود..
لكن الربيع العربي مع الإعلام ومع وسائل الاتصال أنشأ شيئاً جديداً اسمه الفضاء العام، فالآن يوجد فضاء عام لم يكن موجودا في السابق، والفضاء العام بالرغم من بقاء القوى القمعية عند الدول فهي غير قادرة على إغلاقه ولا تستطيع، وهذا يشكل املا بالتغيير، إذْ لدينا جيل جديد من الشباب لم يعودوا يطيعون آباءهم في تفكيرهم، وهذا يسمى صراع الأجيال، لقد ظهر الآن جيل مسيس أكثر من الجيل السابق ولا يتبنون آراء الاباء، والربيع العربي ترك آثارا طيبة ومفيدة ستنمو مع الوقت، وأنا شخصياً أؤمن بهذا النمو.
وعن الوحدة العربية، قال أبو عودة إنها فشلت، وقليلون جداً ممن يتحدثون عن القومية العربية، معظم كلامهم ليس إيماناً بها بقدر ما هو حيلة ذهنية أو احتيال لفظي لملء الفراغ، فهم لا يستطيعون الاجابة عن «لماذا نحن هكذا؟!»، انه عجز عن ايجاد جواب حقيق، وهذا برأيي هو أهم مقدمة للعهد الجديد القادم، ربما لعشر سنين أو أكثر، لكنها مقدمة مهمة، إذْ لم يعد الناس يستخدمون هذه العبارات كما كانوا يستخدمونها سابقاً، عندما قلنا الاستهلاكية غير المتوازنة أضرت بالعقول، فمن أهم تجلياتها هو سعي الناس للمال بصفته الوسيلة التي تؤمن لهم الحصول على ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة من تسهيلات في حياتهم.
مفاوضات كيري
وبخصوص مفاوضات كيري، وجولاته المكوكية في المنطقة، قال أبو عودة: الطرف العربي انتهى من القضية الفلسطينية منذ زمن، ووضع شعاره:» نقبل بما يقبل به الفلسطينيون».. ثانياً قلت أنا سابقاً، إن فلسطين لم تعد تذكر في الشعارات، لم تعد هي المشكلة التي تشغل بال الناس، هي تشغلنا في الأردن لسببين، الأول- ارتباطنا الوثيق بما يجري في فلسطين، وهو ارتباط يجب أن نفكر فيه، لأن أي نتائج هناك ستنعكس علينا، نحن قمنا بعمل فك الارتباط لكي نمنع هذا الانعكاس علينا لكن فشلت مساعي الدولة الفلسطينية. بعد تجربة الملك الحسين رحمه الله 25 عاما، ربع قرن، بأن يسترجع الضفة الغربية بالطرق السلمية، ويجب أن لا ننسى مشروع المملكة المتحدة في العام 1972 وأنا كنت عضوا في اللجنة، كان المقصود منه أن ينتهي الأردن من الحكم المباشر للضفة الغربية، بأن يخرج قطر فلسطيني وقطر أردني بفدرالية أردنية فلسطينية، وقمنا بتسميتها المملكة المتحدة، لكن هناك ثلاثة رفضوا، كلٌ له سببه، أول الرافضين جولدا مائير، الثاني أبو عمار، والثالث أنور السادات تقرباً من أبو عمار، إسرائيل رفضته؛ لأنها عندما دخلت إلى الضفة الغربية في 8 حزيران، في 10 حزيران قرروا أنهم حرروا أرضهم، أي لم يحتلوها، فإسرائيل تتصرف كمحرر لأرضها، فاستكملت تحرير الأرض، فمنذ ذلك الوقت عرّفت مشكلتها، مشكلتها كما هي معرف أن الأردن من هنا يأتي في الموضوع، الأرض ملكها ومسيطر عليها، فالمشكلة أن الدولة الصهيونية يجب أن تكون يهودية، فحتى يتم وصفها يهودية فهناك طريقتان، الطريقة الأولى، أن يتم عمل ترانسفير، وقاموا بذلك العام 1948 وفي العام 1967، لكنه لم يكن كافياً.. للمعلومة، لليوم وتابع: هناك من المسؤولين الإسرائيليين من هو نادم على أنه لم يحول حرب أكتوبر العام 1973 لحرب ترانسفير الى الأردن، فكانوا يريدون إخراج الدفعة الثالثة في العام 1973، لكن كان لدينا يومها معلومات، إذْ كنت وقتها رئيساً للديوان الملكي، فكان لدينا معلومة وهي، إذا دخلنا الحرب فسيكون هناك ترانسفير، بعد ذلك قمنا بالخطة المعروفة، إذْ أرسلنا للجبهة السورية، فكنا في موقف حرج، فكان لا بد من إرسال لواء إلى سورية، هذه حقائق تاريخية.
إذاً لدى إسرائيل من 10 حزيران 1967 مشكلة ديمغرافية، فكيف يتخلصون من الفلسطينيين، شارون عندما جاء في العام 1997 وأصبح وزير بنية تحتية لأول مرة اخترعوا هذه الوزارة لبناء المستوطنات من أجل استيعاب القادمين من شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل، ففوجئ شارون بعد ثلاث سنوات أن هذا العدد الذي توقع أن يأتي لم يحضر، وفوجئ أكثر بأن الفلسطينيين لم يتركوا الأرض وبقوا فيها، الأمر الذي عزز لديه فكرة أن هذه الديمغرافيا لن تسير، فقام بعمل أمرين، الأول، بنى الجدار العازل، والثاني، أنهم بدأوا يفكرون بطريقة أخرى للحل والتي تدخل في السياسة التي يتحدث عنها كيري والتي نتحدث عنها الآن، وهي تحويل الفلسطينيين في الضفة الغربية من مواطنين على أرضهم إلى مقيمين على أرض غيرهم، بالتالي هو ليس مواطنا شريكا في الحكم، فهذا ما يعملون عليه.
إسرائيل لا تفكر بالفلسطيني إلا باعتباره مشكلة
وشدد أبو عودة على أن إسرائيل لا تفكر بالفلسطيني إلا بأنه مشكلة وكيف ستتخلص من هذه المشكلة؟، التخلص من هذه المشكلة بإبعاده عن الداخل، لكن لا يمكن إبعاده تحت ظلال حرب معينة، أو من خلال اتفاق سياسي يتحول فيه الفلسطيني إلى مقيم على أرض إسرائيل، أما مكانته السياسية فهي مرتبطة بالأردن، فهذا ما يعملون عليه، لكن مثل هذا الكلام هل يقبل به الأردن؟! لا أعتقد أنه يقبل، وأشك أن الفلسطينيين سيقبلون بذلك، ما هي قدراتنا على الرفض، وكيف؟ فلا أستطيع أن أجيب عن هذا، وهل نستطيع أن نرفض أو لا؟؟ فأنا لست من الحكومة بل أقرأ فقط.
حاضر الدكتور معروف البخيت بمحاضرة قيمة، وتناول كل الأمور بما فيها تركيا، الفكرة عن تركيا غير واضحة لدى الصحافة، الحزب الحاكم في تركيا الإسلامي، الفرق بين الإسلام في العالم العربي والإسلام في تركيا يبنى على الصوفية، على جلال الدين رومي وأفكاره، وليس على ما يفعله الوهابيون، فهو أمر آخر، هذا قاله الدكتور معروف البخيت بشكل واضح.
وبخصوص المؤامرة، قال أبو عودة إنه تعبير يلجأ إليه الناس حينما يفشلون في فهم الواقع وتحليله تحليلاً صحيحاً، لذلك نسمعها من العوام أكثر مما نسمعها من المثقفين، فالعوام يستخدمون كلمة المؤامرة؛ لأنه ليس لديهم قدرة على البحث والتنقيب والتفكير. المثقفون عندما يتحدثون بها معنى ذلك أنهم يهربون من التفكير الأعمق للموضوع، أو خشية من قول شيء لا يريدون أن يقولوه، لكن هناك مؤامرات في التاريخ، وحتى في التاريخ الأدبي موجودة.
الأردن في وضع صعب
وعن الخيارات أمام الأردن وهل لديه القدرة على الرفض أو القبول، قال أبو عودة الأردن في وضع صعب، وأعان الله المسؤولين على الإجابة عن السؤال الكبير هذا، أنا ذكرت أمرا بسيطا، إذْ قلت، إنني أستثني أن يكون الأردن في مفاوضات على الطاولة، كي لا يتحمل مسؤولية صناعة النتائج. لكن السؤال لو أن هذه النتائج عرضت على الأردن دون أن يشارك في صناعتها هل يملك أن يقول لا؟! باعتقادي يستطيع الأردن أن يقول لا، ومرّ علينا في تاريخ الأردن مراحل قلنا لا فيها، مثلاً عندما اخترع الأميركان فكرة القوة المركزية الوسطى التي تدافع عن الشرق الأوسط، طلبوا من المرحوم الملك الحسين أن نقبل بأن نجعل الأردن مكان تخزين مسبقا، وهذه بداية لتحويلنا لقاعدة، ونحن في تلك الفترة لا نريد أن نكون قاعدة، أتحدث هنا عن الثمانينيات، ورفضنا. الأمر الآخر الذي رفضناه طلب وزير الخارجية الأول أيام ريغن، عندما حصلت قصة لبنان والمفاوضات، وقام بشير الجميل بعمل اتفاق مع الكتائب، حملوا المشروع لكي نوافق نحن عليه لكننا أيضاً رفضنا. في العام 1979 رفضنا كامب ديفيد، فكنا موضوعيين كشركاء مقبلين، فالزمن لم يكن لصالحنا لأنه بعد العام 1973 انتشرت آفة الاستيطان في الضفة الغربية، ولا يوجد أي قوة توقف هذا الاستيطان، فأجرى جلالته اتصالات مع الحكام العرب خاصة الخليجيين والعراق، أنه إذا رفضنا وعوقبنا، إذْ إننا نحصل على معونات من الغرب، برفع المعونات عنا، ماذا ستفعلون؟! فجاء الجواب إلى جلالته بأنهم سيقفون إلى جانبنا.. وأخذنا الموقف المعروف، فوقفنا وذهبنا بعدها إلى مؤتمر بغداد، وتبرعت هذه الدول بأموال لنا ولسورية ولمنظمة التحرير، بعد ذلك عندما حصلت الحرب العراقية الإيرانية، الدولة الوحيدة التي التزمت بتعهداتها على مدى 10 سنوات هي المملكة العربية السعودية، ليبيا لم تدفع قرشاً واحداً، الجزائر اتفقنا معها نحن المنتفعين بأن تدفع لنا المبلغ على ثلاثة أقساط سنوياً، فدفعت القسط الأول ولم تدفع الأقساط الباقية، استمرت العراق والسعودية والكويت وأبو ظبي وقطر..الخ، وبعد ذلك في العام 1984-1985 قررت الدول الأخرى ما عدا العراق والسعودية عدم الدفع، لكننا استطعنا أن نعيش وننجو من التهديد..
وتابع أبو عودة: الآن أنا لست في الحكومة، ولا أعرف أي شيء، فأقرأ كما يقرأ الآخرون من خلال الصحف، ما لا أعرفه هو كم هي قدرتنا على قول لا، في ظل هذه المديونية الضخمة التي وصلنا لها، والمتزايدة يومياً، هذا هو السؤال الكبير، هل هنالك بدائل متوافرة كما كان ذلك بعد كامب ديفيد أو لا يوجد بدائل؟ هل سيصل الوضع حد معاقبة الأردن؟ نحن عوقبنا العام 1991.. السؤال، والذي يقدره جلالة الملك ومستشارو جلالته ما هو بين أيديهم لقول لا، هل يجهزون أنفسهم لقول لا؟ السؤال الآخر ترى هل ستصل الأمور إلى هذا الحد أو لن تصل؟ فلا نعرف، الكثير الآن يتحدث عن فشل مهمة كيري، وآخرون يتحدثون عن قرب تنفيذها، فلا نعلم، فهذا هو وضعنا، لكنه وضع صعب دون شك ولا بد من التحضير له بشكل أو بآخر، يجب التحضير له إعلامياً وفكرياً ومالياً واقتصادياً، هذا إذا قلنا، لا، لكن إذا قلنا، نعم، فتصبح الأمور أسهل، ويكون المطلوب كيف تسوّق الفكرة للناس؟!، وليس كما تقف أمام القوى الضاغطة..
وأقول بداية، إنه إذا لم نعد للأحزاب السياسية فلن يكتمل مفهوم الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تعني المشاركة والتنافس، فهذه هي الحياة السياسية.
بالنسبة للمسؤولين والإقليم المشتعل، برأيي أنهم يقومون ببذل جهودهم، وإن كنت غير راض عن بعض هذه الجهود، لكنهم يحاولون عمل جهودهم، باعتقادي ما ينقص هو وجود مجموعة أو ما يسمى خلية فكرية، فالبلد بحاجة لخلية فكرية، حتى يجلس الناس ليتناقشوا كما نتناقش نحن، لأن النقاش عادة هو الذي يخرج الفكرة الأخيرة، والحوار يخرج الفكرة، هذا الذي ينقصنا على ما أعتقد. جدية المشكلة وأهميتها تقتضي مراعاة النقاش مع أشخاص من خارج المطبخ السياسي.
الاستقلال جاءنا بالتفاوض
وتحدث أبو عودة عن فكرة الاستقلال وقال: معنى الاستقلال أنك أنهيت الاستعمار وأنت مستقل، أي لك دولتك، هذا بالمعنى السياسي، فالاستقلال جاءنا بالتفاوض، وبعض الدول جاءها بالحرب ومنها الجزائر، أفريقيا منها بضع دول حاربت الاستعمار، موزنبيق حاربت البرتغال وأنغولا حاربت البرتغال أيضاً، لكن معظم الدول استقلت بالتفاوض، ونحن من الدول التي استقللنا بالتفاوض، فالاستقلال بمعنى أنه لا وصي عليك من الخارج، أنت مستقل وتدير دولتك بنفسك، وتأخذ بناءً على ذلك مقعداً في الأمم المتحدة لكي تصبح عضواً في الأمم المتحدة. نحن استقللنا في العام 1946 لكن المقعد حصلنا عليه في ديسمبر 1955، أي بعد 9 سنوات حتى قبلونا، والذي كان يرفض هو الاتحاد السوفيتي.
في العام 1955 أصبح لدينا حدث مهم جداً، أن الجنرال تمبلر من بريطانيا جاء للمنطقة ليقنعنا بالانضمام إلى حلف بغداد، فثار الشعب الأردني بضفتيه على ذلك وأفشلوا حلف بغداد، بعدها مباشرة رفع الاتحاد السوفيتي الفيتو عنا، وأعتقد أنها جاءت مكافأة للشعب الأردني على إسقاط ذلك الحلف الذي كان يدبر ضد الاتحاد السوفيتي. فدخلنا للأمم المتحدة ونحن الآن في مجلس الأمن الدولي.
وأضاف: أيضاً ما لا يعرفه الناس أننا 21 دولة عربية أعضاء في الأمم المتحدة، «عشر» منا في أفريقيا و11 في آسيا، نحن كمنظمة إقليمية، الجامعة العربية، وهي أقدم منظمة إقليمية في العالم، فميثاقها تم الحديث عنه في العام 1944 وتم التأكيد عليه في العام 1945، مع نهاية الحرب، نحن منظمة إقليمية نمثل منطقة معينة، بأفريقيا وبآسيا، الاتفاق أن هذه المنظمة الإقليمية ينبغي أن يكون لها ممثل في مجلس الأمن باستمرار، المدة عامان، العرب قسموها عامين لأفريقيا وعامين لآسيا. وهذ المرة الثالثة التي ندخل فيها لمجلس الأمن، وأؤكد هنا إن وجودنا هام في مجلس الأمن.


"حمارنا لا يرغب حمارتكم" * قصة قصيرة من قصص تيسير نظمي نشرت في مجلة مغربية قبل سنوات
"حمارنا لا يرغب حمارتكم" * قصة قصيرة من قصص تيسير نظمي 

مؤسس حركة إبداع ومديرها العام يقرأ مقالة معالي السيد سميح المعايطة فقرة فقرة

في علاقات الناس بعضهم ببعض يتم استخدام الأمثال الشعبية للقياس والاستدلال، لكن هذه الأمثال البسيطة تصلح أيضاً في القضايا الكبرى وحتى علاقات الشعوب والدول...
من أمثالنا الشائعة " ركبناه على الحمار مد أيده في الخرج "، ويقال عن شخص تقوم بمساعدته وتقديم العون له من خلال حمله معك على حمارك أو حصانك، لكنه بعد أن يركب يمد يده في الخرج أي في ممتلكات صاحب الحمار، يأخذ منها أو يأكل أو يصدر قرارات بكيفية إدارة ما في خرج صاحب الحمار.

"الناس" مفردة عامة تعني البشر من كافة الأجناس والأديان والأعراق بدءا بالمواطنين جميعهم وليس انتهاء باللاجئين والمستثمرين العرب من فلسطينيين وعراقيين وسوريين وعمالة وافدة من مصريين وسيرلانكيين الخ..مع أن وحدة الثقافة والتاريخ هي التي تجمعهم في خلاصات تجاربهم في الأمثال الشعبية ما قبل سايكس بيكو وما قبل تأسيس الدول. الأمثال الشعبية عادة ما تكون تشكلت قبل بنية الدولة، لذلك فإن استخدامها للقياس والإستدلال ليس بالضرورة أن يكون موفقاً وعلميا في القضايا الكبرى وعلاقات الشعوب والدول. لكن الكاتب يقرر أنها تصلح لتوصيل ما يريد قوله فلنستمع ماذا اختار منها وهي كثيرة مثل : "سمحنا له فدخل بحماره" والقارئ لا يمكنه سوى أن يسمح لوزير إعلام ووزير ثقافة أردني أسبق !

يرى الكاتب (الناطق الإعلامي الأسبق للأردن!) أن المملكة الأردنية حمار يركبه الأردنيون من أصول فلسطينية (يشكلون نحو ثلثي الشعب الأردني) والفلسطينيون اللاجئون وليس العكس ! وأنهم لا يكتفون بالركوب بل يمدون أيديهم في الخرج (موازنة الدولة الأردنية والبنك المركزي) لا العكس ! ولا يثق بذكاء القارئ الأردني فيشرح له المثل الشعبي المعروف والمفهوم (الشرح ميزناه بالمداد الأزرق )

ومثل هذه الحالة تعني أن الضيف أو الحالة الإنسانية بدأ يتعامل على أساس أنه صاحب مال، وكلما حصل على تكريم أو حق إنساني اعتبره حقاً له وليس فضلاً من المستضيف، ويتحول التطفل إلى شراكة وربما لو طال أمد المسافة التي يركب فيها معك على حمارك يقوم بإنزالك عنه أو يعطيك حصة من ثمنه لو باعه، أو يتحدث معك على انه صاحب المال وأنك المتطفل.

مفردة " الناس" تختفي في الفقرة أعلاه لا لتحل محلها مفردة" المواطنون" بل "الضيف" ليصبح ثلثا الشعب الأردني ضيوفا ليس أكثر على الحمار (الدولة الأردنية) يعيشون بفضل السرقة من الخرج وكأن الدولة الأردنية ليس بها دستور وقوانين وقضاء ينظم العلاقات بين المواطنين والدولة من خلال الحقوق والواجبات.
فإن لم تكن ضيفا فأنت ، أي نحو ثلثا الشعب الأردني حالات إنسانية فقط (معاقون ومصابون بأمراض ومعلوليات) لم يخسر الأردن وطنهم (الضفة الغربية) في حرب 1967 التي شارك بها دون استشارتهم أو الأخذ برأيهم ! ) أما المساواة في الواجبات والحقوق فقد أصبحت تطفلا ولذلك فقد عاد نصف مليون متطفل بسياراتهم وخبراتهم ومدخراتهم عامي 1990-1991 من الكويت ليلقون بمليارات الدولارات في الخرج ويا له من حمار هذا الذي يحمل خرجا بداخله موازنة الأردن لمدة سنتين على الأقل.أما ما أورده موشيه شارت عن أن عشائر مرموقة في جنوب الأردن عرضت عليه بيع دونم الأرض الأردنية بجنيه فلسطيني واحد وليس بعشرين جنيها فتلك حقيقة غابت عن بال وزير الثقافة الأردني الأسبق ! فصاحب الحمار بات يخشى من الأردني من أصول فلسطينية أن يبيع له حماره ! ونريد أن نسأل: هل باع عبدالحميد شومان وطلال أبو غزالة شيئا من ممتلكات الدولة الأردنية مثل الفوسفات وغيرها بعد أن استولى على الخرج والحمار أم ساهما ببناء الدولة الأردنية ؟ ومن هم الذين يعيشون متطفلين على المملكة منذ التأسيس حتى التفليس ؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

حكاية الحمار والخرج والضيف يمكن أن تمتد إلى قضايا السياسة والاقتصاد وحتى إدارة الملفات المركزية والمصيرية، وحكاية التسلل في مستويات المكاسب من الكرم إلى الضيافة إلى التطفل ثم الشراكة إلى...

فجأة ينسى الكاتب الجهبذ أنه يتحدث عن مثل شعبي فيستحيل المثل إلى حكاية بعد أن تحول المواطن الأردني من أصول فلسطينية إلى "ضيف" و "متطفل" أو "حالة إنسانية" فعدنان أبو عودة وطاهر المصري لاعبان في فريق الوحدات تسللا في مستويات المكاسب من" الكرم إلى الضيافة إلى التطفل ثم الشراكة" ليفوزان على "الفيصلي" صاحب الحمار!

وحتى أنواع الحقوق فإنها تصنف اليوم بين سياسية وسيادية وإنسانية ومؤقتة ومواطنة وضيافة ومصالح استثمار واقتصاد، لكن انتقال بعض الامتيازات من مرتبة لأخرى ممكن وسهل، في زمن الضغوطات والاستقواء وشروط المساعدات، وأثمان المراحل الصعبة، والبعض يقبل بحق الضيافة أو أي ( حق !!) آخر وعيونه على تطويره وترقيته حتى يصل إلى أعلى مراتب الحقوق.

سبق أن نوهنا أن ما ميزناه بالمداد الأزرق عبارة عن شروحات لا تحترم ذكاء القارئ والمواطن الأردني ولا عقله فأن تشرح المفهوم والمعلوم ليس منة منك أو تفضلا منك وأنت تحتل" أعلى مراتب الحقوق " وتنال أعلى الرواتب في جريدة لم تكن مؤسسا بها !

التجارب في كل العالم أثبتت أن حكاية الحمار والخرج حاضرة في أصعب الملفات، وفي كل اللغات والثقافات، ولا بد دائماً أن يبقى في البال أنه ليس كل من ستعطيه مساحة من ظهر حمارك لن يمد يده في خرج أمتعتك ويعبث بها أو ربما يحاول بيعها، وأن أي حق تمنحه اليوم سيتحول غداً إلى سلم للارتقاء إلى ( حقوق ) ليست مطلوبة اليوم.

هنا يبلغ الإدعاء بالعلم والمعرفة حدودا مرضية فوزير الثقافة الأسبق ووزير الإعلام الأسبق ورئيس مجلس إدارة أكبر المؤسسات الصحفية الرابحة في الأردن ( عرفته صحفيا من الإخوان المسلمين في بداية تأسيس وصدور يومية العرب اليوم) يعرف كل التجارب والثقافات واللغات في العالم  رغم أن ما وضعنا تحته خطاً يحتاج إلى شرح وتفسير "التجارب في كل العالم أثبتت" ! ماذا ؟ هل يعلم الكاتب أن الدول الأسكندنافية لا تعيش بها لا الحمير ولا الجمال ؟ أما حكاية البيع وشائعات التخلف عن أن الفلسطينيين باعوا فلسطين وربما يحاولون بيع الأردن فنتركها لفهم القارئ الذي نجل ونحترم فالفلسطينيون منذ 1948 يعيشون في مخيماتهم فوق حمار واحد فقط من حمير المنطقة في سوريا ولبنان والأردن ومن دون شعوب العالم تنقصهم الشجاعة والفداء والتضحية لأنهم أول وآخر العرب


"حمارنا لا يرغب حمارتكم" * قصة قصيرة من قصص تيسير نظمي نشرت في مجلة مغربية قبل سنوات

"حمارنا لا يرغب حمارتكم" * قصة قصيرة من قصص تيسير نظمي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا

صحافيون من أجل فلسطين تدعو لحملة تواقيع لتحريك شكوى لدى الجنائية الدولية