أيها المجانين أتركوا جون كيري وشأنه
أيها المجانين أتركوا جون كيري وشأنه -
قراءة اسرائيلية لتراجع أمريكا في الشرق
الأوسط
الون بنكاس
يديعوت 7/2/2014
ليس لدولة اسرائيل كنز سياسي امني أكبر
من علاقاتها بالولايات المتحدة، وليس لاسرائيل انجاز سياسي وجودي أكبر من علاقاتها
بالولايات المتحدة. وليس لاسرائيل مصلحة وجودية حيوية أكبر من تأمين هذه العلاقات وحفظها
وتعزيزها. ومع كل ذلك يوجد في اسرائيل مجموعة من 38 شخصا لا
تفهم هذا تماما. وهي تسمى ‘حكومة اسرائيل’. وحتى لو كان اعضاؤها يفهمون ذلك
فانهم لا يسلكون بحسبه.
كان الكثير من المنازعات والاحتكاكات في
نطاق ‘العلاقات المميزة’ بين اسرائيل والولايات المتحدة منذ 1948، وكانت مواجهات حقيقية
وشخصية ووهمية خدمت قضية محددة أو هدفا لحظيا، وكانت احتكاكات على الجوهر والمضمون
ومشاجرات صغيرة على صورة واسلوب وكراهية شخصية بين اشخاص.
وانصرف الكثير من العداوة الى وزراء خارجية
الولايات المتحدة. فقد باع وليام روجرز اسرائيل بخطة روجرز في بداية سبعينيات القرن الماضي.
وكان هنري كيسنجر
يهوديا غارقا في كراهية الذات. واعترف جورج شولتس بمنظمة التحرير الفلسطينية. وكان
جيمس بيكر من
أكبر كارهي اسرائيل في التاريخ. وعرض وورن كريستوفر أمن اسرائيل للخطر. وكان لهيلاري
كلينتون حساب شخصي مع نتنياهو (أشد من مجرد عداء لاسرائيل). وجون كيري، جون فوربس كيري من مضطهدي
اليهود.
يتحدثون في احيان متقاربة جدا عن ازمة
‘لم يسبق لها مثيل’ وقطيعة ‘لم نر مثلها’، ويكون التقدير في اكثر الحالات مبالغا فيه
ويكون العنوان الصحفي مفرط المبالغة. لكن فيما يتعلق بالهجوم الشخصي على وزير الخارجية الامريكي،
لم يحدث مثل هذا الشيء من قبل في الحقيقة لا في ايقاعه ولا قوته ولا فظاظته ولا سفوره
ولا بشعوره بالمرارة والحقد، ولا في سعة الهجوم وعدم المنطق وعدم الاساس فيه في الأصل.
إن دولة اسرائيل تُصادم علنا ووجها لوجه وزير خارجية الولايات المتحدة لا بتسريبات
أنباء ولا بأحاديث مستورة ولا باهانة صغيرة أو انتقاد جوهري. وكل شيء شخصي: فكيري يعمل
في غير مصلحة اسرائيل ويبحث عن الشر لها ويعرضها للخطر ويهددها بالقطيعة والانتفاضة
والعزلة وغير ذلك.
إنكار للجميل وغباء
يجب أن تُقال الحقيقة لكيري، لكن الكلام الذي قيل
فيه في الاسابيع الاخيرة على ألسنة وزراء ونواب وزراء في حكومة اسرائيل لم يقله قط
بشار الاسد أو نصر الله. قد يكون لذلك صلة بالعناوين الصحفية وربما يعتقدون
حقا أن كيري خطير. فالحديث بعد كل شيء عن اشخاص فصيحين جدا وذوي حساسية بالدقائق السياسية.
وإن مقياس معاداة السامية الموجود في اجسامهم لاحظ هجوم كيري الذي كان سناتورا مدة
ثلاثين سنة وكانت اقتراحاته على شؤون اسرائيلية بلا عيب ولا خلل دائما لكن يبدو أن
حكومة اسرائيل عرفت فيه عدوا حقيقيا. إن كيري مثل اوباما
معاد لنتنياهو ومؤيد لاسرائيل بيد أن الفرق بين اسرائيل ونتنياهو طُمس تماما.
كان يجب اذا أن يوقف المنحرف كيري في مكانه،
فقلنا له بفخر وعزة بصورة صادقة في وجهه.
إن وزير دفاع دولة
اسرائيل بوغي يعلون نعت كيري بأنه مسيحاني وموسوس من المراد أن يحصل على جائزة نوبل
كي يدعنا وشأننا. وهاجم وزير الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية يوفال شتاينيتس كيري الذي يُلصق مسدسا بصدغ اسرائيل. وقال
وزير الشؤون الاقتصادية نفتالي بينيت مقولة تاريخية
وهي أنه لم يتخل قط شعب عن مصالحه الحيوية لاسباب اقتصادية. وانتقد رئيس الوزراء كيري
لاسلوبه. واتهمه بعضهم بلغة معادية للسامية بعد أن تحدث في مؤتمر الامن في ميونيخ عن
خطر القطيعة، والعقوبات وعزلة اسرائيل.
إن المنطق واضح وهو أنه اذا لم تقبل اسرائيل
المخطط السياسي الذي يوشك كيري أن يعرضه فانها ستُقصى. ومن هنا يهدد كيري اليهود بالمس بجيوبهم ويوقع ألحانا معادية للسامية
معروفة وهو بذلك يعرض اسرائيل للخطر لأنه يحرض العالم على أن يعمل عليها ويوصيه بالفعل
مُبينا كيف يسلك اذا ما فشلت المسيرة السياسية.
إن الهجمات على كيري نادرة لا لفظاظتها
فقط. إنها نادرة لأنها ترمز الى التحلل من عبء والى عدم انضباط، والى قماءة، والى عدم
اسلوب والى انكار للجميل والى غباء وقصر نظر في الاساس. وهي لا معنى لها لأنه ليس لها
هدف سياسي يُحرز سوى الاهانة. فهل يعتقد أحد ما حقا أن جون كيري لا ينام في الليل أو
أن السياسة الخارجية الامريكية سيجري عليها تغيير بسبب يوفال شتاينيتس؟.
إن دم كيري أهدره رئيس الوزراء نتنياهو
الذي كان منذ خمس سنوات يشاجر رئيس الولايات المتحدة براك اوباما دون حاجة وفي كل شأن.
وفي اللحظة التي
أرخى فيها نتنياهو الزمام أصبح وزراء يبيحون لأنفسهم الحديث بصورة سافرة وبفظاظة وشتم
الولايات المتحدة وسبها. ويبدو نتنياهو معتدلا اذا ما قيس بوزرائه ونواب وزرائه لكنه
هو الذي سن نهج معاداة امريكا في واقع الامر. وهو الذي حاضر اوباما في تاريخ
الشعب اليهودي وهو الذي اتهم اوباما بأنه ‘يرمي باسرائيل تحت اطارات الحافلة’، وهو
الذي أيد بفهم وادراك رفيعين ميت رومني للرئاسة قبل الانتخابات في تشرين الثاني 2012
بثلاثة اسابيع. إن طرح المسؤولية على بوغي يعلون سهل لكنهم يعلمون في واشنطن وهذا يشمل
ساكن المدينة جون كيري يعلمون أن نتنياهو هو الأصل.
””” أيها المجانين دعوه وشأنه
إن المواجهة الحالية بادي الرأي قد تصل
بمخطط كيري وهو ورقة مباديء سياسية لا تختلف عن مخطط كلينتون
الذي نشر في كانون الثاني 2001 على إثر مؤتمر كامب ديفيد في تموز 2000، أو التفاوض
الذي جرى بين اهود اولمرت وأبو مازن في 2008. والمواجهة في واقع الامر هي بسبب شيء
أكبر، فقد أخذ تنشأ بين اسرائيل والولايات المتحدة تغاير مصالح في الشرق الاوسط يعبر
عنه في جزء منه انسحاب امريكي تدريجي من المنطقة، وهو انسحاب تعبر اسرائيل في مواجهته
عن خشية من الهجران. تنسحب الولايات المتحدة عن الشرق الاوسط
لثلاثة اسباب واتجاهات:
الاول، استقلال الطاقة. فلن تحتاج الولايات المتحدة في 2016
2017 ولن تستهلك نفطا مصدره الشرق الاوسط. فهي ستصبح أكبر منتجة للنفط في العالم، أكبر
من روسيا والسعودية. وهي أكبر مستهلكة للنفط في العالم لكن كل نقص أو زيادة في الطلب
ستلبيهما كندا والمكسيك. أو بعبارة اخرى إن المقولة القديمة التي تقول إن الولايات
المتحدة لها مصلحة في أن تزود بالنفط من الشرق الاوسط بصورة منتظمة لم يعد لها صلة
بالواقع.
والسبب الثاني أن الولايات المتحدة مجرحة ونازفة بسبب
تدخلات في الشرق الاوسط: في العراق وافغانستان واسرائيل الفلسطينيين ومصر. وقد ضاقت
الولايات المتحدة ذرعا بذلك وهي متعبة ولا ترى مصالح حيوية تُمتحن أو على خطر أو ينبغي
احرازها في المنطقة. هذا الى أن النظر في الشرق الاوسط في 2014 يُبين أن القوى الثلاث
القوية المهيمنة من جهة القوة في المنطقة ليست عربية، وهي اسرائيل وتركيا وايران.
ولهذا حدثت صحوة من الاشتغال بالعالم العربي. ولوحظ هذا التوجه جيدا في السياسة الامريكية
الموجهة نحو مصر وليبيا وسوريا، فالذي يرى في اسرائيل والسعودية ترددا وعدم زعامة كان
في واقع الامر انعكاسا لسياسة خارجية جديدة.
والسبب الثالث هو أن مركز الانتباه والمصالح الامريكية
نُقل الى الشرق الاقصى. فقد أصبحت الصين وشبه الجزيرة الكوري، وتايوان وجنوب شرق آسيا
هي العقد التالي للسياسة الخارجية الامريكية. ولهذا لم تعد
الحليفة التالية للولايات المتحدة هي اسرائيل بل ولا بريطانيا بل استراليا، واليابان
بقدر ما.
ونحن نستطيع أن نتحدث عن الايباك وعن أعضاء
مجلس النواب ليفي أو كوهين أو سميث أو براون، وعن ‘لقاء رئيس الوزراء’ وعن الحوار الاستراتيجي
السابع عشر. لكن الحقيقة السياسية هي أننا لسنا مهمين.
ليس هذا مسارا سريعا ولا يلاحظ التغيير
في مدة قصيرة. فالمشايعة الامريكية لاسرائيل واسعة عميقة لكن تجري عليها تغييرات لأن
امريكا تجري عليها تغييرات سكانية وثقافية وتصورية. وفيها زعزعات وفيها صدوع. فالحكمة السياسية والتاريخية تكون بالاعتراف بوجود المسار ومحاولة
تبطئته بقدر المستطاع. بيد أن نتنياهو ويعلون وشتاينيتس وشركاءهم يفعلون عكس
ذلك تماما، فهم يُسرعون المسار. حينما قال يعلون في ميونيخ ‘اذا لم توجد تسوية فسنسوي
امورنا’ لا يعبر فقط عن عدم إحكام، وعن مقولة لا بأس لا تقلقوا، باللغة الاسرائيلية.
بل يقول للامريكيين: لا تجهدوا أنفسكم، فلا حاجة لذلك لأنكم تشوشون علينا. وحينما تقول
اسرائيل ‘لن نُمكن ايران من أن تصبح دولة ذرية’ تعفي الولايات المتحدة من التزامها
ألا تُمكن من ذلك. وحينما يتهم وزراء كيري بسياسة تخالف المصلحة الاسرائيلية فانهم
يجعلون مصالح الدولتين تتضارب ويُسوغون للولايات المتحدة في واقع الامر ألا تتدخل.
كان النقاش العام الذي تناول مخطط كيري
فرصة لا لتعليل ‘لماذا لا’، وما هو السيء جدا وأن نشكو ما لا نريده وما لسنا مستعدين
له، بل كان فرصة لصوغ وطلب وتفسير ما نريده. كان فرصة لعرض رؤيا مصالح اسرائيل من وجهة
نظر الحكومة وكما يراها رئيس الوزراء. لكن اسرائيل اختارت
بدل ذلك أن تهاجم وزير خارجية الولايات المتحدة وتُشهر به وهو الشخص الذي يوصي مجلس
النواب بالمساعدة الخارجية وبالهبة العسكرية لاسرائيل، وهو الشخص الذي استعمل هو وأسلافه
حق النقض لاقتراحات قرارات معادية لاسرائيل في مجلس الامن 51 مرة.
فيا أيها المجانين أتركوا جون كيري وشأنه.
تعليقات