فلسطينيو سوريا – قراءة تاريخية The Palestinians In Syria - Starving

Yarmouk Refugees Camp

فلسطينيو سوريا – قراءة تاريخية
23/01/2014
” نشأ مع نتائج حرب فلسطين عام 1948 خط جديد بين سوريا وفلسطين المحتلة هو خط الهدنة، بحيث أصبح قطاع الحمة وجنوب شرق بحيرة طبريا، ومثلثان صغيران : الأول إلى الغرب من نهر الأردن جنوب بحيرة طبريا عند جسر بنات يعقوب، والثاني إلى الغرب من بانياس في الجبهة السورية من خط الهدنة مناطق مجردة من السلاح مساحتها بحدود سبعين كيلو متر مربع وفق أغلب المصادر الموثوقة والمعتمدة.”
تُقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين، الذين وفدوا إلى الأراضي العربية السورية إثر النكبة عام 1948 بحدود تسعين ألف لاجئ‌‌، دخلوا الأراضي السورية من المناطق الحدودية المشتركة بين فلسطين وسوريا البالغ طولها نحو (79) كيلو مترا من زاوية جبل الشيخ شمال هضبة الجولان حتى جنوب بحيرة طبريا. وبعضهم جاء عن طريق الأردن، والبعض الآخر عن طريق لبنان عبر الممرات البرية شمال فلسطين، أوعبر الطريق البحري بين عكا، حيفا، يافا إلى صيدا، صور، بيروت، طرابلس، اللاذقية، حيث شجعت ودفعت قوات الانتداب البريطاني قبل يوم 15/5/1948 المواطنين الفلسطينيين على المغادرة عبر المنافذ البحرية، وبعضهم وصل إلى الأراضي السورية عبر الأردن بعد اجتياز الضفة الغربية، خاصة من أهالي قرى جنوب وشرق مدينة حيفا، ومناطق المثلث، واللد، الرملة، يافا.
ووصلت الدفعة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا بعد العام 1956 قادمين من التجمعات الفلسطينية التي لجأت إلى الأراضي اللبنانية، ففي الفترة الممتدة بين أعوام (1948 – 1956) استمر قدوم اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا من لبنان وبشكل أقل من الأردن، في سياق سعي العائلات الفلسطينية لتجميع شملها الذي تفرق بفعل نكبة 1948.
واستكملت هذه الدفعة بعدة مئات من الفلسطينيين الذين طردوا من المناطق المنزوعة السلاح على الحدود (الفلسطينية – السورية) في الشمال والوسط وعلى أجزاء من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا على امتداد الحدود، وبعد تجفيف بحيرة الحولة، ومسح عشرات البلدات الفلسطينية، وعلى مساحة تقارب (62) ألف دونم من الأرض الزراعية شديدة الخصوبة ومن قرى: منصورة الخيط، يردة، كراد الغنامة، كراد البقارة، السمرة، النقيب العربية، التوافيق، كفرحارب، جسر المجامع، خان الدوير، مداحل المنشية، دفنة، حقاب، الدوارة، بيسمون، العلمانية، تليل، الدرباسية، الجليبينة، ومنطقة غرب بلدة الحمة، الذين أقاموا في منطقة الجولان وتابعوا لجوءهم الثاني بعد عدوان حزيران/ يونيو1967 إلى مناطق دمشق ودرعا، وتحديداً بين أعوام (1951/1958) عندما نشأ خط حدودي جديد بين فلسطين المحتلة وسوريا بفعل الأمر الواقع والعدوان “الإسرائيلي”.
لقد نشأ مع نتائج حرب فلسطين عام 1948 نشوء خط جديد بين سوريا وفلسطين المحتلة هو خط الهدنة، بحيث أصبح قطاع الحمة وجنوب شرق بحيرة طبريا، ومثلثان صغيران : الأول إلى الغرب من نهر الأردن جنوب بحيرة طبريا عند جسر بنات يعقوب، والثاني إلى الغرب من بانياس في الجبهة السورية من خط الهدنة مناطق مجردة من السلاح مساحتها بحدود سبعين كيلو مترا مربعا وفق أغلب المصادر الموثوقة والمعتمدة.
وكانت سوريا تسيطر عشية عدوان حزيران/ يونيو1967 على (18) كيلومترا مربعا من أصل (70) كيلو مترا مربعا تُشكّل المساحة الإجمالية للأراضي التي كانت منـزوعة السلاح، في مناطق القطاع الشمالي في تل العزيزيات، بينما سيطرت دولة الاحتلال الصهيوني على ثلث المنطقة.
وتحددت المناطق المنـزوعة السلاح وفق التالي : أولاً المنطقة المنـزوعة الشمالية قرب بانياس وكانت خاضعة لسيطرة القوات السورية في تل العزيزات، بينما سيطرت “إسرائيل” على ثلثها بواسطة القوة العسكرية وفلاحة الأرض، ومساحتها نحو أربع كيلومترات مربعة. وثانياً المنطقة المنـزوعة الوسطى شمال طبريا حيث سيطرت سوريا على قسم صغير من الهوامش الشرقية لهذه المنطقة، بينما كانت السيادة السورية تامة على الساحل الشمالي الشرقي والشرقي من بحيرة طبريا بطول يقارب عشرين كيلومترا، ومساحتها حوالي نحو (34) كيلومترا مربعا، ويوجد في إطارها أربع قرى فلسطينية هي: كراد الغنامة، كراد البقارة، منصورة الخيط، يردة، وبها مستعمرة واحدة هي (مشمار هايردن) ومعناها بالعربية (نجمة الصبح). وثالثاً المنطقة المنزوعة الجنوبية، وتمت السيادة السورية على المناطق الصغيرة شمال قرية النقيب، ومنطقة صغيرة جانب قرية كفر حارب، ومساحة واقعة غرب بلدة (خربة التوافيق) العليا كذلك على منطقة (الحمة)، وكل ضفة اليرموك ومساحتها (32) كيلومترا مربعا وبها ثلاث قرى فلسطينية هي: الحمة، النقيب، السمرة، ومستعمرة واحدة هي (عين غيف).
والحقيقة أنه خلال حرب فلسطين عام 1948، لم تتوقف الأعمال الحربية على الجبهة السورية مع قوات الاحتلال الصهيوني لفلسطين حتى توقيع إتفاق الهدنة في 22 نيسان/ أبريل1949 في جزيرة رودس.
ووفدت إلى سوريا دفعات جديدة من الفلسطينيين بعد عامي (1970 –1971) مع تمركز فصائل المقاومة والعمل الفدائي الفلسطيني فوق الأراضي اللبنانية والسورية، بينما لم يتم تسجيلهم في سجلات اللاجئين إلى سوريا حيث اقتصرت السجلات فقط على دفعات اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا إلى سوريا بين أعوام 1948 وحتى العام 1956.
أقام اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بعد وصولهم إلى الأراضي السورية في مواقع وتجمعات ومخيمات تركزت بشكل رئيسي في منطقة دمشق وباقي المدن السورية. وقضوا عدة سنوات في الإقامة داخل ثكنات الجيش الفرنسي الذي كان لتوه قد غادر سوريا بعد استقلالها، فيما استقر آخرون لسنوات عديدة داخل المنشآت الحكومية قيد الإنشاء وداخل الجوامع الكثيرة المنتشرة في دمشق، حيث كان كل جامع يضم عشرات الأسر بكامل أفرادها تفصل بينهم (البطانيات)، وأقام آخرون في حي الاليانس (حي الأمين) في منطقة الشاغور وسط العاصمة دمشق الذي كان يضم عدة آلاف من اليهود السوريين الذين كانوا لتوهم قد غادروا سوريا نحو فلسطين.
وبين أعوام (1953 – 1955) استطاعت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي أُنشئت في سوريا من توزيع الأراضي على اللاجئين بقصد السكن المؤقت وبواقع (48) مترا مربعا مساحة أرضية للعائلة الواحدة مع دعم متواضع من الإسمنت والمواد الأولية. وهكذا تم بناء التجمع الفلسطيني الأكبر في سوريا في منطقة بساتين الميدان والشاغور جنوب دمشق وأطلق عليه اسم (مخيم اليرموك) من قبل مفتي فلسطين المرحوم الحاج أمين الحسيني تيمناً بمعركة اليرموك.
وفي تلك الأيام الحالكة السواد في تاريخ الشعب الفلسطيني والتي لم تغادر ذاكرة الجيل الذي عاش وعي النكبة في سنواتها الأولى حيث تشتت العائلات الفلسطينية الواحدة، وفقدت عملية التواصل بين من بقي على أرض فلسطين وبين من حطت بهم الأقدار خارج فلسطين الى دياسبورا الشتات، فكان المذياع وارسال رسائل الأهل الى ذويهم عبر أثير إذاعة دمشق الوسيلة الوحيدة في التواصل.
كما عاشت أعداد إضافية من اللاجئين الفلسطينيين الوافدين إلى سوريا في مناطق أرياف محافظات دمشق وحمص وحماه وحلب والجولان وحوران تحت سقف خيام الاونروا والمساعدات الدولية، وعاشوا ظروفاً بالغة القسوة في مناطق شديدة البرودة والرياح، وأكثر من مرة اقتلعت الرياح الخيام من فوق رؤوس ساكنيها، إضافة إلى انتشار الأمراض واتساع حالات وفيات الأطفال وكبار السن نتيجة المآل الصعب الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون سنوات اللجوء الأولى.

وخلاصة القول، إن سوريا العربية لم تكن بالوطن الطارىء على اللاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا إليها عام النكبة، بل هم أصلاً من بلاد الشام ومن سوريا الطبيعية، التي كانت ومازالت فلسطين مكوناً أصيلاً وأساسياً من مكوناتها الجغرافية والبشرية ومن نسيجها الوطني والاجتماعي والسكاني العام. ففلسطينيو سوريا هم أبناء بلاد الشام، وأبناء سوريا الطبيعية، والقسم الجنوبي الغربي منها وعلى امتداد أكثر من ثلثي الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ويُشار في هذا السياق بأن نحو (200) ألف مواطن من أبناء دمشق ودرعا وحوران كانوا يقيمون في فلسطين قبل النكبة وقد لجأوا إلى وطنهم سوريا الحالية حالهم حال سكان الإقليم الفلسطيني من بلاد الشام.
علي بدوان ...و (حركة إبداع)

سكان مخيم اليرموك بدمشق يملأون طلبات “لجوء انساني” ويستغيثون: نحن والله جائعون
JANUARY 23, 2014

دمشق  ـ من بولا أسطيح  ـ بعدما استنفذ اللاجئون الفلسطينيون المحاصرون في مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق كل وسائل الاستغاثة، وموت العشرات منهم من الجوع بسبب نقص المواد الغذائية والحياتية، لجأوا الى تسجيل أسمائهم على لوائح حملت عنوان “طلب لجوء انساني” مناشدين الضمير العالمي أن يؤمن لهم طريق خروج إلى أي دولة تحترم حقوق الانسان.
وانكب العشرات منهم، أطفال وشباب وعجزة، يكتبون على لافتة كبيرة علّقت على حائط مدرسة الفالوجة في شارع المدارس في اليرموك بعض ما اختلج قلوبهم.
واختذلت اللافتة بأحرف كبيرة مخططة مطالب ما تبقى من سكان المخيم: “أهالي المخيم اليرموك المجوعين يطالبون العالم باسم الانسانية تحقيق مطلبنا بالعودة الى وطننا فلسطين أو أي دولة تحترم حقوق الانسان”.
وعلى ورقة ذيّلت باسم “أبو شفيق” وعلّقت على اللافتة كتب احد اللاجئين: “نناشد جمعية الرفق بالحيوان أن ترأف بالقطط التي حللوا أكلها”.
وصبّ آخرون غضبهم على زعماء الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية بتعليقات فيها شيء من السباب.
وتجمّع عدد آخر منهم حول أحد الناشطين الذي أخذ يملأ “طلبات لجوء انساني” حيث يذكر الراغب بالخروج من المخيم اسمه ووضعه العائلي وعدد الأشخاص الذي سيخرجون معه.
وفي شريط مصور حصلت عليه “الأناضول” من داخل المخيم وتم تصويره يوم أمس الأربعاء، أشار أحد الاطفال، الذي لم يتخط عمره الـ8 سنوات، الى أنّه لم ير نور الكهرباء ولم يذق طعم الخبز منذ 6 اشهر. وقال:”بدنا خبز…بدنا كهرباء..نحن نعيش على الشورباء والحشائش (التي تأكلها) الأبقار”.
الجوع يلاحق الصغار والكبار في اليرموك، الذين باتوا يشتهون رغيف خبز فيما يعاني عدد كبير منهم من نقص حاد بالغذاء يوجب تلقيهم العلاج.
وأوضحت طفلة من المخيم، قالت أن عمرها 11 سنة، أن طفلا رضيعا يشرب منذ 4 أسابيع الماء فقط، واضافت:”نحن والله جائعون..لا نريد مونة بل أن تُفتح الطريق ونخرج باعتبار أننا نعيش على الماء وحشائش لا ترضى الأبقار حتى بأكلها.”
واردفت قائلة:”بات أكل الحيوان تماما كأكل الانسان”.
ويقول ناشطون ان 51 شخصا توفوا مؤخرا في المخيم نتيجة الجوع والحصار، فيما يتهدد 20 ألفا المتبقين المصير عينه.
وقد سمح النظام السوري يوم السبت الماضي لهيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بادخال كمية محددة من المساعدات الى داخله، كما أتاح خروج عدد من الاشخاص الذين هم بحاجة ماسة للاستشفاء.
وتحاصر قوات النظام السوري مخيم اليرموك،  منذ سبتمبر/أيلول الماضي، بذريعة وجود مسلحين، وتُمنَع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من دخوله لإدخال المؤن والمساعدات الغذائية والأدوية، وفق مصادر حقوقية معارضة للنظام.
ويعد مخيم اليرموك بدمشق أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا حيث كان يضم قبل فرض الحصار عليه نحو 500 ألف لاجئ فلسطيني، إضافة إلى سوريين يقطنون هناك، وفق إحصاءات غير رسمية . ونزح عدد كبير منهم باتجاه لبنان ومناطق سورية أكثر أمنا، هرباً من قصف قوات النظام المستمر عليه منذ أشهر.

(الاناضول) و (حركة إبداع)


هل لنا صلة في مخيم اليرموك؟
جدعون ليفي
هآرتس 23/1/2014

من المؤكد أن هذه المقالة ستقع على آذان صماء أكثر حتى من مقالاتي الاخرى، ومع ذلك يجب أن تُكتب، فصور مخيم اليرموك لا تدعني. وكان يجب أن تؤثر هي على الأقل في قلوب الاسرائيليين، في خضم كل فظاعات سوريا.
إن دولة اسرائيل تتحمل مسؤولية اخلاقية عما يجري في مخيم اللاجئين هذا وإن لم يكن مباشرة، هي أولا المسؤولية التاريخية عن مصير سكان المخيم، وهم فلسطينيون من أبناء البلاد ونسلهم، طردوا أو اضطروا الى الفرار منها بسبب اسرائيل. وثانيا يوجد لغير قليل من مواطني الدولة ورعاياها من العرب الاسرائيليين ومن الفلسطينيين اقرباء في اليرموك حتى من الدرجة الاولى احيانا، فثم أخوات واخوة وأجداد وجدات واعمام وعمات يُجوعون حتى الموت وقد مات عشرات منهم جوعا.
يمكن أن نقارن ذلك بوضع مشابه وهو أن تحدث فظاعة على مبعدة بضع عشرات الكيلومترات عن حدود الدولة، ويموت اقرباء لمواطني الدولة اليهود جوعا ويحتضرون مع عدم وجود ادوية ومعدات، ويتجولون مثل هياكل عظمية وتطلق النار عليهم مثل حيوانات ضالة. فهل كانت اسرائيل ستبقى غير مبالية؟ أولم تكن تستخدم عملية لانقاذهم؟.
من السهل طرح المسؤولية عما يجري في اليرموك على ابواب العرب: على نظام الاسد الذي يمنع بوحشية تزويد سكان المخيم المحاصرين منذ اسابيع كثيرة؛ وعلى المسلحين الفلسطينيين الذين شاركوا في الحرب الاهلية وحكموا على المخيم بالفناء؛ وعلى منظمات الاسلام المتطرف التي تفوق قسوتها قسوة النظام؛ وعلى الدول العربية التي لم تفعل ما يكفي لحل مشكلة اللاجئين (وإن يكن مصيرهم قد تحسن شيئا ما في سوريا). وبعد كل ذلك تبقى مسؤولية اخلاقية على اسرائيل ايضا التي أفضى انشاؤها الى اللجوء والجلاء هذين. انها الدولة التي كان يجب عليها أن تحاول أن تنقذ بقدر استطاعتها عائلات مواطنيها وإن كانوا عربا ايضا. فلطفية العجوز التي تسكن في المخيم والذي يحاول أخوها عبد العابدي وهو فنان من حيفا نال جوائز كثيرة، يحاول انقاذها منذ سنين.
إن صور اليرموك لا تدعنا: فهناك الولد الفلسطيني الذي يمضغ ورقة لعدم وجود الطعام؛ والفتى الذي يصرخ أمام عدسات التصوير طالبا نجدة العالم بازاء مقتل أبيه؛ وصور الهياكل العظمية السائرة لناس أحياء موتى؛ وصفوف النساء والشيوخ الذين يحتشدون ساعات بأمل يائس أن يحصلوا على وجبة طعام أو على ادوية؛ والعجز الفظيع لآلاف البشر المحاصرين الذين دمرت بيوتهم وخرب عالمهم. وصف زميلي تسفي برئيل هنا قبل بضعة ايام ما يجري في المخيم: فلجنة التنسيق في المخيم تدعو السكان الى شرب لتر ماء مع ملعقة ملح ثم لتر ماء مع ملعقة سكر اذا كان ذلك في متناول اليد. انه ‘غيتو الحرب العالمية الثانية’، كتب برئيل الضابط لنفسه ووقع حتى هذا الوصف هنا على آذان صماء.
بقي عشرون ألف انسان فقط في المخيم الذي كان عدد سكانه قبل الحرب الاهلية 150 ألف انسان. فقد بقي الضعفاء والعاجزون فقط ليعيشوا في الانقاض والحصار، أما الباقون فوجهوا الى لجوئهم الثاني. واسرائيل لا تحرك ساكنا فهي تعيد سريعا القلة القليلة من الجرحى السوريين الذين تعالجهم، مع ثناء على النفس يثير الاشمئزاز، تعيدهم الى الجحيم. وفي حين تنقد جارتا سوريا الاخريان، الاردن وتركيا، بملايين اللاجئين، لا يخطر ببال اسرائيل أن تستوعب حتى الجرحى القليلين الذين نجحوا في الوصول اليها. كان يجب على اسرائيل أن تظهر شيئا من الانسانية في مواجهة فظاعة اليرموك. وكان يجب عليها أن تحاول أن تنظم الآن عملية لانقاذ الـ 20 ألفا من السكان المحاصرين ونعود ونُذكر بأنهم أبناء البلاد وأن تعلن أن ابوابها مفتوحة لهم ليلتئم شملهم مع عائلاتهم.

ربما كانت هذه الخطوة تلقى رفضا سوريا وربما لا. ولكن كانت اسرائيل تستطيع على الاقل أن تنظم حملة مساعدة أو حملة تبرع كما تعرف أن تفعل في كوارث طبيعية بعيدة ليست عليها أية مسؤولية فيها. لكن في اليرموك يموت لاجئون فلسطينيون وما علاقتنا بهم؟

هولوكوست سوريا: مَن يتجاسر على انتهاك الأقنوم الأقدس؟
صبحي حديدي
JANUARY 23, 2014
البروفيسور سو بلاك، الخبيرة العدلية وأستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة دندي، اسكتلندا؛ لم تتردد في إطلاق صفة الهولوكوست على الصور الوحشية التي تسرّبت، مؤخراً، حول ضحايا التعذيب في سجون النظام السوري؛ أو، على وجه الدقة، في زنازين المخابرات العسكرية وحدها، وليس سواها من عشرات فروع أجهزة بشار الأسد الأمنية. إنّ الخنق، والضرب، والتعريض للكهرباء، والتجويع حتى الموت، وسواها من أفانين التعذيب التي تعرّض لها المعتقلون؛ لا تُقارَن إلا بما شهدته معسكرات الموت النازية، من وجهة نظر بلاك، التي شاركت في فريق درس بضعة آلاف من أصل 55 ألف صورة تمكّن ‘قيصر’، شاهد العيان والمصوّر الفوتوغرافي السوري، من تهريبها إلى الخارج، بعد انشقاقه.
‘لم أشهد صوراً أشدّ فظاعة، طيلة 30 سنة من عملي في تحقيقات مماثلة’، تقول بلاك، التي سبق لها أن عملت على جرائم الحرب في كوسوفو، وكذلك في التحقق من هويات ضحايا كارثة تسونامي؛ وتتابع، في حوار مع صحيفة ‘سكوتسمان’: ‘هذه لقطات مريعة’، خاصة تلك التي تخصّ سجناء قضوا تجويعاً، و’كان من الصعب على المرء أن يتوقع إمكانية حدوث هذه الفظائع، على هذا النطاق. الأمر يتجاوز الحدود حقاً. صحيح أنّ أعداد الضحايا ليست جديدة عليّ، لكنّ حجم العنف هو الجديد. ولا بدّ أنّ العذاب الذي لقيه هؤلاء كان على درجة رهيبة يستحيل وصفها’. وفي تصريحات أخرى، وبعد وصف تفصيلي لصنوف التعذيب كما تتضح على الأجساد، تستخلص بلاك التالي: ‘لقد عدنا مقتنعين بأنّ ما رأيناه يبرهن على أنّ عدّة آلاف من الأفراد قد ماتوا تجويعاً، أو خنقاً، أو ضرباً، أو تعذيباً’.
والحال أن هذه ليست المرّة الأولى التي أتاحت استخدام مفردة الهولوكوست في توصيف جرائم النظام السوري، وكانت المناسبة السابقة هي الهجمة الكيميائية على الغوطتَين الشرقية والغربية، في الساعات الأولى من فجر 21 آب (أغسطس) الماضي. آنذاك، جرى هذا الخطاب الاتهامي على لسان أمثال جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي؛ ودافيد كامرون، رئيس الوزراء البريطاني؛ وكانت المقارنات تحيل إلى مشاهد الضحايا من جانب أوّل، وإلى مخاطر وقوف العالم مكتوف اليدين أمام أيّ هولوكوست جديد، من جانب ثانٍ. أمّا الاعتبارات التي سوّغت ذلك الخطاب، تحديداً، فقد كانت مناخات التصعيد المقترنة بالتحضير لضربة عسكرية ضدّ النظام السوري؛ وسرعان ما تبدّلت الاعتبارات، وتراجعت المقارنات، حين ركع الأسد وسلّم ترسانته الكيميائية، فبادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى صرف النظر عن الضربة.
غير أنّ المقارنة مع الهولوكوست لم تمرّ على نحو عابر، إذْ اثارت زوبعة احتجاجات لدى عدد من الكتّاب والمعلّقين اليهود، في أمريكا بصفة خاصة، غنيّ عن القول؛ اتكاءً على ذلك الأقنوم المقدّس المبجّل، الذي لا يرى وجهاً للمقارنة بين الهولوكوست وأيّ، وكلّ، وقائع العذاب البشري على مرّ التاريخ، بما في ذلك المذابح أو المجازر أو الإبادات الجماعية. وهكذا ـ بالأمس في مناسبة الهجمة الكيميائية، واليوم عند افتضاح صور الآلاف من ضحايا التعذيب ـ يخبرنا البريطاني بول أوستن مرفي أنّ 11,000 ضحية اليوم، وقبلها 1400 في الغوطتين، بما في ذلك النساء والأطفال، هي ‘أعداد موتى أكثر ممّا ينبغي’، بالفعل؛ لكنها لا يجوز أن تصنع أيّ هولوكوست جديد، أو تُقارَن بالهولوكوست… الوحيد! سوى هذا، يضيف العبقري، لو كان ‘الجهاديون’ هم حكام سوريا، أما كانوا فعلوا بالمسيحيين والشيعة أسوأ ممّا يفعل الأسد!
حال اليوم، هذه، تردّنا إلى أخرى، في نيسان (أبريل) 2012؛ حين أعلن أوباما، أثناء زيارة إلى متحف الـ’هولوكوست’ في واشنطن، فرض عقوبات على الجهات التي تزود سوريا وإيران بالوسائل التكنولوجية المساعدة على تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان في البلدين. ‘ليست السيادة الوطنية رخصة للحكام كي يذبحوا شعوبهم’، قال أوباما وهو يقصد الإشارة إلى ‘أي مجنون ينتهك حقوق الإنسان، ويرتكب الفظائع، والإبادة، وأعمال القتل الجماعي’؛ واعداً الشعب السوري بـ’مواصلة الضغط’ على الأسد، بهدف ‘عزل نظامه أكثر’، وفرض مزيد من العقوبات، والتعاون مع ‘أصدقاء سوريا’. ولكي يبرّر قليلاً، أو في المستوى الأقصى الذي كان متاحاً بين يديه في واقع الأمر، تابع يقول: ‘بينما نحاول أن نعمل كل ما نستطيع، لا نقدر أن نسيطر على كل الأحداث. ونحن نحاول في سوريا، علينا أن نتذكر أنه رغم كل الدبابات، وكل القناصين، وكل التعذيب، لا يزال السوريون يتحدّون في الشوارع. ولا يزالون مصرّين على إسماع مطالبهم للعالم. إنهم لم يستسلموا، ولهذا فإننا نحن أيضاً لن نستسلم’. ثمّ لكي يذهب أبعد، أخيراً، أضاف أوباما أنّ العقوبات الجديدة خطوة أخرى ‘نحو اليوم الذي نحن متأكدون من أنه آتٍ، وهو يوم نهاية نظام الأسد الذي يذبح الشعب السوري’. بعد بضعة أشهر، كان نظام الأسد يستخدم الأسلحة الكيميائية، استكمالاً لسلسلة من المذابح والمجازر وعمليات القصف الوحشية!
بعد سبعة أشهر، في غمرة هذا التسابق على استحضار الهولوكوست أو تغييبه، سوف يحين الدور على إيلي فيزل، الأمريكي ـ الرومانيّ الأصل، الناجي من معسكر أوشفتز ـ بيركيناو، القيّم (بقرار تعيين ذاتيّ!) على تراث الهولوكوست، حامل نوبل السلام للعام 1986 (لأنه ‘الرسول إلى الإنسانية’ كما عبّرت اللجنة النروجية)، ومؤلف قرابة 54 كتاباً في المذكرات والتاريخ المقالة والرواية. وكان فيزل قد وقّع مقالة في صحيفة ‘واشنطن بوست’، تتساءل عن كيفية إيقاف ‘المجزرة السوريا’، بدت مدعاة سلسلة من الأسئلة الارتيابية: كيف يستقيم أن يأتي الإنقاذ من هذا الرجل بالذات، نصير إسرائيل (التي لا يطيب لها إسقاط النظام السوري، في المدى المنظور على الأقلّ)، المدافع الأعمى عن سياساتها واحتلالاتها وحروبها؟ وهل ثمة صلة ما، من أيّ نوع، يقيمها فيزل بين عذابات السوريين، وعذابات معسكرات الاعتقال في أوشفتز أو داخاو أو بوخنفالد؟
وما حقيقة صحوة ضمير فيزل، إذا جاز اعتبارها هكذا، بعد طول صمت على عشرات المجازر التي ارتكبها النظام، وشكّلت ما يقترب من هولوكوست بطيء مستديم، مفتوح ومتدرّج؟
وصفة فيزل السحرية، وبعد تسفيه حلول أخرى مثل العقوبات الاقتصادية، وطرد سفراء النظام، واستبعاد التدخل العسكري الأمريكي (لأنّ ‘الشعب الأمريكي تعب من شنّ الحروب البعيدة’، و’العائلات الأمريكية فقدت أكثر ممّا ينبغي من الأبناء والبنات في نزاعات نائية’)؛ لا تُبقي للسوريين إلا بصيص الأمل، شبه الوحيد، التالي: ‘لِمَ لا ننذر الأسد بأنه، ما لم يوقف السياسة الإجرامية التي ينخرط فيها، سوف يُلقى القبض عليه، ويُحال إلى محكمة الجرائم الدولية في لاهاي، وتُوجّه إليه تهمة ارتكاب جرائم بحقّ الإنسانية. مثل هذه التهمة سوف تثبط عزيمته. وسوف يخسر كل دعم، وكل تعاطف، في طول العالم وعرضه. ولن يدافع عنه أي شخص شريف. ولن تقبل أية أمّة بمنحه الملاذ…’!
هل كان فيزل يمزح؟ كلا، بالطبع. هل كان جادّاً في ما يقول؟ ليس تماماً، وإنْ كان اختلاط الجدّ بالهزل مسألة فيها نظر هنا. أكان صادقاً، في مشاعره تجاه محنة السوريين؟ كلا، وألف كلا! أبناء سوريا يعرفون أنه ما من جهة (في سياق ما يقصده فيزل، على صعيد ‘المجتمع الدولي’ وأشباهه من مسميات) سوف تبادر إلى اتهام الأسد، فكيف باعتقاله؛ وثمة لائحة مكشوفة من الأمم التي ستواصل الوقوف إلى جانب نظامه، وستمنحه الملاذ؛ ومثلها لائحة الذين سيتابعون التعاطف معه، سرّاً أو علانية، ومعظمهم سيأتي من صفوف ‘الممانعة’ الزائفة و’اليسار’ المتواطىء؛ إذا وضعنا جانباً أصحاب المصلحة، على امتداد الديمقراطيات الغربية، في بقاء نظام تعايشوا معه طيلة أربعة عقود ونيف، وخبروا ما وفّره من أمن على طول خطوط الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية.
وماذا عن الهولوكوست في سوريا، التي قضى قرابة 200.000 من بناتها وأبنائها على يد نظام همجي وبهيمي لم يعرف له التاريخ مثيلاً، حتى في ذروة العربدة النازية، وبالقياس إلى أقصى ما ارتكبه الرايخ الثالث من وحشية ضدّ البشرية؟ وماذا، في ضوء الـ55 ألف صورة جديدة، وخلاصات أمثال البروفيسور سو بلاك حول طابعها الهولوكوستي الصريح؟ سوف نجد الكثير من تنويعات نظرية فيزل، التي ترفض المقارنة بين الهولوكوست وأيّ وكلّ مآسي الإنسانية، قديمها وحديثها: من إبادة الهنود الحمر (قرابة 70 مليون قتيل)، إلى مذابح رواندا ربيع 1994 (قرابة مليون قتيل)، مروراً بما جرى ويجري في فلسطين وأفغانستان والعراق. هنا يجري إسدال ستار التضليل (حول خطف الإسلاميين للانتفاضات العربية عموماً، والانتفاضة السورية خصوصاً وأوّلاً)، لكي تشتغل مطاحن استراتيجيات التأثيم (التي لا تشهد تسويد صفحات الشعوب الثائرة، تحت أكاذيب الأسلمة والتشدد الأصولي والسلفية والعداء للسامية… إلا لتقترن بتبييض صفحات الطغاة).
وليس الأمر أنه، وأمثاله، لا يبصرون جرائم الحرب بأمّ الأعين؛ بل أنّ المنطق، عندهم، يسير هكذا، ببساطة عجيبة: ‘أوشفتز تظلّ فريدة في التاريخ المسجّل لأنها انطوت على إبادة شعب بأكمله، حتى آخر طفل وآخر أسرة وآخر نفس. لا أحد سيقنع الثاني بأن رادوفان كراجيش وراتكو ملاديش، على قسوتهما، يسعيان لإفناء جميع المسلمين حتى آخر مسلم’؛ والحال ذاتها بخصوص الأسد، تجاه بنات وأبناء سوريا، شيباً وشباباً، أطفالاً ونساءً ورجالاً. لكن فيزل لم يكفّ يوماً عن اطلاق صفة ‘الشعب’ على ضحايا اليهود، وصفة ‘المسلم’ أو ‘السنّي’ أو ‘العلوي’ أو ‘الشيعي’ على ضحايا سوريا، وقبلها العراق، وقبلهما كوسوفو. ولا غرابة في أنّ الكاتب الأمريكي اليهودي المعروف نورمان فنكلشتاين، في كتابه المتميز ‘صناعة الهولوكوست’، أطلق على فيزل لقب ‘المهرّج المقيم في سيرك الهولوكوست’.
ومَن يقرأ خطاب وليد المعلّم، وزير خارجية النظام، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف ـ 2؛ لن تفوته، وسط تزاحم الأكاذيب واحتشاد الأضاليل، ذلك التودّد الضمني إلى خطاب أمثال فيزل ومرفي؛ بغية التعتيم على، وتغطية، الهولوكوست السوري الذي تفضحه البراهين المادية الساطعة، وخلاصات البروفيسور سو بلاك وسواها من أصحاب الضمائر اليقظة.

 ‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا

صحافيون من أجل فلسطين تدعو لحملة تواقيع لتحريك شكوى لدى الجنائية الدولية