العلاقات الامريكية ـ السعودية على شفا أزمة علنية وعميرة هاس : ما زلنا نسقط في شرك الانفصال


عميرة هاس : ما زلنا نسقط في شرك الانفصال
عميره هاس
هآرتس 15/1/2014

لم يكن انتهازيا بل استراتيجيا صهيونيا، هذا ما كان عليه اريئيل شارون. إن الاقلال من أهميته السياسية هو الوجه الآخر من وجوه مهرجان توديع الجد المليء بالفكاهة. حينما يودع الفلسطينيون أبطالهم بدرجة 1 على ألف من الاحتفال الرسمي الذي مُنح لبطل 101، تردد وسائل الاعلام أن ذلك ‘تحريض’ و’دعم للارهاب’. لكن عدد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلهم شارون والذين هو مسؤول عن قتلهم يزيد على عدد الاسرائيليين الذين قتلهم كل المفرج عنهم بصفقة شليط والذين أفرج عنهم جون كيري، معا.
أخلى شارون عددا من المستعمرات من اجل الرؤيا السامية حقا وهي الكانتونات الفلسطينية. ومن المخيب للآمال مبلغ سقوط معارضي احتلال صادقين مرة اخرى كما في السنوات الاولى من مسيرة اوسلو، في شرك التصور الخطي. فكما ابتهجوا لاخراج الجيش الاسرائيلي من المدن الفلسطينية ونشره حولها، استنتجوا في 2005 ايضا أنه يوجد خط مباشر بين اخلاء عدد قليل من المستوطنات واخلاءات اخرى.
لم يحجم شارون عن التضحية بحياة جنود يهود في حرب نظام جديد في لبنان، فلماذا يحجم عن المس بمشاعر بضعة آلاف من المستوطنين من اجل مئات آلاف المستوطنين في الضفة والقدس؟ وقد صاغت اسرائيل بمبادرة منها بموازاة الاستعدادات من طرف واحد لتفكيك مستوطنات القطاع، صاغت منظومة الشوارع المزدوجة والمستقلة في الضفة. وسمي ذلك ‘اتصال مواصلاتي’ وهو معروف ايضا بالاسم المغسول ‘نسيج حياة’. وهي منظومة طرق وانعطافات وجسور وأنفاق تُبعد أبناء البلاد الفلسطينيين عن الشوارع السريعة بين ‘الكتل الاستيطانية’ المتوسعة واسرائيل، وتصل بين الجيوب الفلسطينية من جهة ‘المواصلات’. وقد فكر شمعون بيرس في سبعينيات القرن الماضي بشبكة الشوارع التي تربط باسرائيل.
وناضل الفلسطينيون خططهم ‘التي تلتهم الارض’ في المحاكم في ثمانينيات القرن الماضي، ووافق ياسر عرفات أكبر الساقطين في شرك’ التصور الخطي والتدريجي، وافق عليها في تسعينيات القرن الماضي. كان آفي بريمور الذي صاحب شارون لكونه نائب المدير العام للشؤون الافريقية في وزارة الخارجية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، صاحبه الى رحلات في افريقيا، وحدث صحيفة ‘هآرتس′ عن اهتمام شارون الكبير الذي أظهره آنذاك بالكانتونات. ويقول بريمور إن الذي استهوى شارون هو كيفية عمل ما يشبه الدول المستقلة التي سيطرت عليها جنوب افريقيا والتي كان مواطنوها المسجلون يستطيعون السكن بصفة سكان وراء ‘الحدود’. وبدأ بريمور يظن بالتدريج أن ‘شارون لا يفكر في جنوب افريقيا بل فينا’. وبعد نحو من عشرين سنة، حينما قال شارون إذ كان رئيس الوزراء إنه سيعطي الفلسطينيين دولة، فهم بريمور قصده جيدا فقال: ‘سيعطي في أحسن الحالات 60 بالمئة من مساحة الارض ويُقسمها بحيث يحاط كل قسم بمنطقة اسرائيلية ونسيطر نحن على الدخول والخروج’.
لكن شارون طور فقط خطة الفصل والتمييز العنصري المحلية التي دفع بها بيرس واسحق رابين وباراك الى الأمام بصورة مستقلة برعاية اعتبارهم ساسة سلام. إن اخلاء القطاع من طرف واحد والذي يسميه زميلي جدعون ليفي بلا هزل ‘أكبر انجازات’ شارون وجه ضربة قاتلة الى واحدة من المادتين الايجابيتين الوحيدتين في اتفاق اوسلو (هما ايجابيتان من جهة مستقبلنا المشترك
أظهر شارون بالانفصال أنه لا حدود لقوة اسرائيل البيروقراطية التكنولوجية لأنه يمكن أن يُحكم القطاع بتحكم من بعيد، ويمكن بقرارات شديدة الوطء (كمنع الغزيين من العمل في اسرائيل وقطعهم عن سكان الضفة) يمكن السيطرة على القيادة الفلسطينية ايضا: باضعافها وإساءة حالها لتصبح مستجدية، وأن يُطلب اليها في موازاة ذلك أن تظل مقاولة ثانوية للـ ‘الشباك’ والجيش الاسرائيلي وإلا عوقبت وأن تحظى بتصفيق الولايات المتحدة ايضا.
لم يكن ذلك ‘تحول’ شارون بل كان مواصلة طبيعية لاستراتيجية اسرائيلية مؤمنة بالقوة طورها اصدقاؤه خصومه في حزب العمل. وقد جبت وستظل تجبي ثمنا من الدماء كبيرا مؤلما من الشعبين اللذين يعيشان في الارض الكاملة.

هل العلاقات الامريكية ـ السعودية على شفا أزمة علنية؟
زكي شالوم ويوئيل جوجنسكي
نظرة عليا 15/1/2014

مقدمة: في 17 كانون الاول 2013 نشر في ‘نيويورك تايمز′ مقالا استثنائيا في حدته كتبه السفير السعودي في بريطانيا، محمد بن نواف بن عبد العزيز. ويعنى المقال بسياسة ادارة اوباما تجاه ايران وسوريا. حتى الان نشرت بالاساس تقارير ومقاطع تحليل تشير الى عدم ارتياح في السعودية من سياسة ادارة اوباما في الشرق الاوسط. اما الان، فلم يعد الحكم في السعودية يحذر من التعبير علنا وبشكل رسمي عن خلافه مع الولايات المتحدة في المسائل التي على جدول الاعمال. لا يوجد في المقال ذكر للرئيس اوباما، ولكن واضح أن أسهم النقد موجهة له أساسا. صيغة الاقوال فظة جدا، بل واحيانا مهددة. ويشير نشر المقال، على نحو شبه مؤكد، الى أن السعودية تفهم بانها لن تنجح في احداث تغيير في موقف ادارة اوباما في موضوع ايران وسوريا من خلال العمل الدبلوماسي الهاديء، مثلما درجت حتى الان. ومع ذلك، جلي تماما أن السعودية لا تريد ‘تحطيم الاواني’ حيال ادارة اوباما. وقد نشر المقال مستوى متدنٍ نسبيا، السفير في بريطانيا، ولكن واضح أنه يمثل موقف الحكم. لا ريب أن السعودية تسعى الى اطلاق اشارات احساس بالضائقة الشديدة حيال الغرب، ولكن لا رغبة لديها، وعمليا لا قدرة حقيقية لديها في الانقطاع عنه.
دولة اسرائيل لا تذكر في المقال، ولكن السفير يذكر مبادرة السلام السعودية كمثال على قدرة السعودية على انتهاج طريق عمل مستقل وجريء، ويوضح بانه من زاوية نظر السعودية لا يوجد بديل غير وارد. فهل يلمح السفير بهذا بتغيير ما في المواقف التقليدية للسعودية في موضوع المسيرة السلمية والعلاقات مع اسرائيل. طرح ولم يفسر.
لقد جاء هذا المقال استمرارا للمقابلة التي منحها الامير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة ورئيس المخابرات السعودية، وصاحب مكانة غير رسمية رفيعة المستوى في الحكم السعودي، لـ انيويورك تايمزب في تشرين الثاني 2013. ويذكر الامير في المقابلة انهيار االخطوط الحمراءب التي طرحها الرئيس اوباما في السنة الاخيرة. وعندما يعرض زعيم الولايات المتحدة خطوطا حمراء، يقول، ‘فنحن نتوقع منه أن يلتزم بهاب. والا كما يقول فان هذا يخلق مشكلة مصداقية. وقال الامير ان فشل الساحة الدولية في وقف الحرب في سوريا هو مثابة ااهمال اجراميب (almost a criminal negligence). وذكر الامير بصراحة المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين وقضى في هذا السياق بانه اذا تراجع الرئيس اوباما عن مواقفه في أن هذه التسوية ينبغي أن تقوم على اساس حل وسط في اساسه العودة الى حدود 67، مثلما تراجع عن الخط الاحمر الذي طرحه في سوريا، فان كل المساعي لتحقيق سلام اسرائيلي ذ عربي ستنهار.
مقال السفير السعودي في بريطانيا اهم ما ورد فيه
يشدد السفير في المقال على أن السعودية تعتقد بان السياسة الغربية تجاه ايران وسوريا تعرض للخطر الاستقرار والامن في الشرق الاوسط. وفي ضوء الرهان الخطير هذا لا يمكن للسعودية أن تصمت وتقف جانبا. فالازمة في سوريا مستمرة وحتى الان وقع ما يزيد عن 100 ألف قتيل، ناهيك عن أن الاسرة الدولية بذلت جهودا كي تنزع أسلحة الدمار الشامل من نظام الاسد الاجرامي، كما يقول السفير فان على الغرب ان يفهم بان النظام نفسه هو المصدر الاكبر للقتل الجماعي. فالسلاح الكيميائي يشكل جزء صغيرا فقط من آلة القتل لدى نظام الاسد. ويبدو وكأن النظام يتعاون مع المبادرات الدولية لانهاء الازمة، ولكنه عمليا يواصل العمل بكل قدرته لمنع حل جدي لهذه الازمة.
ويشير السفير الى أن نظام الاسد تعززه قوات ايرانية توجد في سوريا. وهذه القوات لم تدخل الى سوريا كي تدافع عنه في وجه هجوم خارجي معادٍ. فهي توجد هناك كي تدعم نظاما مجرما يمس بالشعب السوري. وهذه طريقة عمل تتميز بها ايران التي تدعم وتدرب محافل تآمرية في العراق، في لبنان (حزب الله)، في اليمين وفي البحرين. ومع ذلك، فقد اختارت الدول الغربية الا تتخذ خطوات عمل لازمة ضد هذه السياسة. فالغرب يسمح بنظام ما (النظام السوري) بمواصلة الوجود وللاخر (ايران) لمواصلة برنامجه لتخصيب اليورانيوم، مع كل المخاطر الكامنة في ذلك. ان القرارات التي اتخذت في العواصم الغربية في هذا السياق تعرض للخطر بالفعل الاستقرار في المنطقة وبالقوة أمن العالم العربي بأسره.
صورة هذا الوضع، كما يقول السفير، لا تترك للسعودية خيارا غير اتخاذ سياسة خارجية حازمة اكثر في الساحة الدولية، مصممة اكثر مما في الماضي على ضمان الاستقرار الذي تحتاجه منطقتنا على نحو شديد. فالسعودية – عرش الاسلام لها مسؤولية هائلة في المنطقة كاحدى الدول الهامة في العالم الاسلامي. كما أن للسعودية مسؤولية عالمية اقتصادية وسياسية بصفتها جهة مركزية في سوق الطاقة الدولية. ويضيف السفير بان لنا ايضا مسؤولية انسانية لنعمل قدر الامكان كي نوقف المعاناة في سوريا.
ويذكر السفير بان السعودية ابدت استعدادها للعمل بشكل مستقل عندما قررت رفض انضمامها كعضو في مجلس الامن. ويستخدم السفير تعبيرا فظا لوصف حالة عجز الامم المتحدة ولا سيما حيال الوضع في سوريا. ويتساءل ما المعنى من الانضمام الى جسم دولي يشكل امنصة ثرثرةب (talking shop) عندما تكون حياة الكثير من الناس بهذا القدر تحت التهديد وحين تفشل فرص عديدة جدا بسبب عدم قدرة الامم المتحدة على العمل. ويوضح السفير بان السعودية ستواصل ابداء تصميمها من خلال الدعم الذي تقدمه للجيش السوري الحر ولمحافل المعارضة السورية.
خلاصة وتقدير
مقال السفير السعودي في بريطانيا لا ينشر في فراغ بل في واقع من الشرخ العميق في العلاقات الامريكية السعودية. وهو يأتي لان يبث للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص رسالة واضحة، احيانا مبطنة واحيانا صريحة مفادها ان السعودية خائبة الامل جدا من سلوك ادارة الرئيس اوباما حيال سوريا وايران.
ويخلق هذا السلوك أزمة ثقة بين الدولتين اللتين تعتبران حتى الان حليفتين قريبتين الواحدة من الاخرى. وعلى المحك توجد مصداقية الرئيس الامريكي. ليس للسعودية مصلحة في حمل العلاقات بين الدولتين الى مستوى الازمة التامة. ولكنها مضطرة لان تدق الباب، علنا، وبتعابير فظة جدا، كون جهودها لاحداث تغيير في السياسة الامريكية، بشكل دبلوماسي هاديء لم تنجح. الرسالة المنقولة هي ان للسعودية دورا مركزيا في العالم العربي، الاسلامي وفي الساحة الدولية ويجمل بالولايات المتحدة الا تضع قيد الاختبار تصميم السعودية على اتخاذ سياسة مستقلة لا تكون بالضرورة مطابقة لمصالح الولايات المتحدة في هذه اللحظة.
لقد نشر بان رئيس المخابرات السعودية الحالي انضم هو ايضا الى المنتقدين حين نقل على لسانه في ‘وول ستريت جورنال’، تعقيبا على التطورات الاخيرة قوله ان ‘المملكة ستبحث عن حلفاء استراتيجيين آخرين’. ونشدد هنا على أن الخلاف، وربما الشرخ بين الدولتين، ليس فقط حول سياسة الولايات المتحدة في سياق الهزة الاقليمية. فالسعودية تخشى من تغيير الاتجاه الاستراتيجي للولايات المتحدة. وقد سبق للاخيرة أن أعلنت بان شرق آسيا سيكون في المستقبل في رأس جدول الاولويات الامريكية. وفضلا عن ذلك، فقد سرعت الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة وتيرة انتاج النفط والغاز في اراضيها وحسب التوقعات فانها ستصبح مصدرة نفط حتى نهاية العقد الحالي. وفي السعودية يخشون من’ أنه اذا ما وعندما تنال الولايات المتحدة ‘استقلال الطاقة’ الكامل، فانها لن تحتاجها بعد اليوم وستقلص بقدر كبير تدخلها في الشرق الاوسط.
رغم التهديدات، ليس للسعودية خيارات جيدة كبديل عن الولايات المتحدة. فالحلف غير المكتوب الذي يربط بين هاتين الدولتين قام على اساس المبدأ الذي بموجبه’ تحظى الولايات المتحدة بحق الوصول الى اقتصاد الخليج وبالمقابل توفر للمملكة ‘مظلة دفاع′ من التهديدات الخارجية. ورغم ثرائها الشديد فان المملكة غير قادرة على ان تواجه وحدها تهديدات ذات مغزى في محيطها الاستراتيجي. وفضلا عن ذلك فانه ليس هناك قوة عظمى اخرى معنية أو قادرة على أن تؤدي في الزمن الحالي دور الرادع والحامي لدول الخليج في وجه ايران. ولكن يحتمل أن في اعقاب التآكل في ثقة السعودية بالولايات المتحدة ستسعى المملكة الى نثر المخاطر وبلورة هامش علاقات موازٍ حتى وان لم يكن كاملا مع دول مختلفة، يحسن وضعها الامني. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

ريتا محمود درويش هل هي تمارا بن عامي أم تانيا رينهارت ؟ The Beloved Jewish

الحراكات والإسلاميين ينظمون مسيرة اصلاحية كبرى عشية الإنتخابات