عندما اعتذر توفيق طوقان عن منصب رئيس وزراء الأردن رافضا خيانة فلسطين



عندما اعتذر توفيق طوقان عن منصب رئيس وزراء الأردن رافضا خيانة فلسطين
رئيس الوزراء الأسبق العين معروف البخيت حذّر في محاضرة له منذ ايام ، من "مغبّة" الذهاب إلى مفاوضات فلسطينيّة إسرائيليّة، تمهّد لها قنوات سريّة، قبل استجماع كافة عناصر القوّة، منوّهاً بأن التوقيت الراهن هو "الأسوأ" بالنسبة للقضيّة الفلسطينيّة، من حيث "غياب الظهير العربي القوي.انتهى الاقتباس.
يعتقد بعض الساسة بعكس ذلك ، و ان هذا الوقت هو الافضل و الانسب للحديث و التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي بعد ان تم بيع القضية الفلسطينية و المتاجرة بها من كل الاطراف ولم يكن ظهير عربي قوي مساند لفلسطين في اي لحظة بل كان هنالك ظهير امريكي بريطاني فرنسي قوي لدعم دولة اسرائيل عبر السنين و ارتهان الارادة العربية في بعض مفاصلها لهذا المحور. و لكن حديثه عن السرية يفتح باب الاسرار..
وعودة لموضوع رفض منصب رئيس الوزراء ، فأن سبب رفض توفيق طوقان لمنصب رئيس الحكومة الاردنية كان بسبب المفاوضات و الاتصالات السرية المنفردة بين الاردن و اسرائيل في السبيعنات ، و قت حرب ابلول بين الاردن و المنظمات الفلسطينية ، و لقد رفض توفيق طوقان السياسي و ناشر صحيفه "الديار المقدسه " منصب رئيس الوزراء بعد اجتماع مع الملك الراحل الحسين رحمه الله حسب ما صرح به( رئيس الديوان الملكي فيما بعد ) عدنان ابو عوده انذاك ، امد الله في عمره.
و هنا تجدر الاشارة ان المفاوضات السرية كانت دوما حاضرة في السياسية الاردنية و الفلسطينية ، وتغولت في بعض الاحيان واحده على الاخري مما تسبب في مزيد من التشرزم و ضياع حقوق الاطراف خارج التفاوض ، مما يجعل البخيت محقا في الاشارة لذلك خائفا علي الاردن اكثر منه علي فلسطين.
و لعل ان صحيفة الديار المقدسة التى كانت تنشر الوثائق و المعلومات و الاجتماعات السرية بين كل من الاردن و اسرائيل مما يزعج حكومة ابو الهدي وبعض من الحكومات المتتالية ، كانت تتحدث بنفس نهج رئيس الحكومة الاسبق معروف البخيت من غياب اطراف و اعلان عن اطراف اخري و مزيدا من الاتصالات السرية التى كانت تكذب و تنكر من الجانب الاردني في حينها.(من اكثر من خمسين عاما).
و تميزت " الديار المقدسة " بالنشر و التوثيق و الانفراد ، و هي الصحيفة الاردنية التى تطبع في مطبعه السمان ، و عمل بها العديد من عمالقة الصحف الاردنيه في بداية حياتهم المهنية ، و من ضمنهما محمود الكايد عميد الصحافة الاردنية وهو من مؤسسي جريدة الراي الاردنية و نقيب الصحافيين و عرفات حجازي عضو المجلس الوطني الفلسطيني و رئيس تحرير جريدة الدستور الاردنية و ايضا تقلد منصب نقيب الصحفيين الاردنيين فيما بعد.
و كان توفيق باشا ابو الهدى رئيس وزراء قاس و ضد الحريات ، و قد اغلقت الصحف و كممت الحريات في عهده ، و من ضمن الصحف التى امر بأغلاقها "الديار المقدسة " لتوفيق طوقان مع اكثر من عشرين صحيفة أخرى و اعتقل الصحفيين.
و انتهت حياة "ابو الهدى " مشنوقا بحبل في حمام منزله بمدينه عمان ، في شهر يوليو من عام 1956 ، منهيا بذلك حياة رئيس وزراء ساهم في ضياع اراض فلسطينية بسبب موقفه في معاهده رودس و رفضه انذاك مشاركه فلسطينيون في المفاوضات على ما يخص الارض الفلسطينيه ، و كان ذلك سببا اساسيا في ضياع المثلث العربي من قلب ارض فلسطين و منحه الى اليهود و حسب مذكرات الاستاذ ناصر النشاشيبي لصحيفة الشرق الاوسط في 6 سبتمبر 2001 العدد 8318. و النشاشيبي يعزو ذلك الي غياب المشاركة الفلسطينية ، وهي حاله عكسية لما يطالب بها رئيس الحكومة الاردنية الاسبق معورف البخيت من مشاركة.
و فيما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء الاردني الذي رفضه توفيق طوقان انثاء حرب ايلول ، و في احد اشهر الصيف في مدينة عمان الاردنية ، زرت منزل رئيس الديوان الملكي الاردني و مستشار الملك الحسين ، معالي عدنان ابو عودة ، برفقه المرحوم بشار التاجي ابو الهدى الفاروقي و شخص ثالث من الضفة الغربية ، حيث حدثنا مستشار الملك ، انه في عام 1970 و قت حوادث ابلول التى اشعلت البلاد ، و اثارت الفتنة و الاقتتال بين الفلسطينيين و الجيش الاردني ، طلب منه استقبال و مرافقه توفيق طوقان و الذي كان يقطن باريس ، بعد ان طلب للحضور الى العاصمة الاردنية لمقابله هامة ، و فعلا حضر توفيق طوقان من فرنسا ، و استقبله السيد عدنان ابو عودة ضابط المخابرات في المطار و الذ كان يجمل رتبه رائد و يقود سيارة فولكس فاجن ، و اصطحبه لمقابله الملك الذي شرح الاحداث و ضرورة ايجاد حل كفيل بانهاء حالة الدم و الشقاق ،و عرض الملك الحسين على توفيق طوقان ان يصبح رئيسا لوزراء الاردن ، و لكن توفيق طوقان اعتذر للملك بكل جرأة و حصافة و ذكاء مؤكدا ان احد الاسباب التى تقف ضد قبوله بهذا المنصب عدم رضاه عما يحدث في الساحه و من يقف خلفه و يغذيه مستهدفا تصفيه العمل الفدائي و انهاء الدور الاردني في وقت واحد ، و ان هنالك اتفاقات اسرائيليه اردنية سريه بخصوص فلسطين و الفلسطينين ، و ان المنصب لا قيمه او فعالية له.
و حسب ما اورده معالي عدنان ابو عودة و الذي اصبح زيرا للاعلام في حكومة عسكرية بعد ذلك ، ان توفيق طوقان كانت لديه افكار و طموحات اخرى حسبما تحدث لنا في منزله بداية الثمانينات من القرن الماضي.
و القصد من ذلك ان الطرف الاردني الاسرائيلي كان دوما في محادثات سريه و لا تزال عبر الوسيط الامريكي تارة و البريطاني تارة اخري ، يريد دولة معروف البخيت ان ينكرحقها علي الفلسطينين. و تحدث للشاشات و المحطات الفضائية عن المحادثات و اللقاءت السرية بين الاردن و اسرائيل بعد ذلك الملك الحسين وقت توقيع اتفاق وادي عربه حيث قال ، انها ليست المرة الاولي التى يلتقي فيها اسرائيليون مع الملك ، و هذا موجود و مسجل و اذيع اثناء خطاب الملك الراحل في واشنطن و بجانبه اسحاق رابين و مناحم بيجين.
و كان ما صرح به الملك الحسين في البيت الابيض ، يأتي بعد ثلاثين عاما متطابقا تماما مع ما نشرته " الديار المقدسة " لناشرها توفيق طوقان حيث كتبت الجريدة تقول : اجتماعات بين رئيس الوزراء الاردني الاسبق بهجت التلهوني و اسرائيلين سرا في العقبة ، و بين الملك و الاسرائيلين في عيادة طبيب الاسنان في لندن.
و كانت تلك الكتابات سببا في اغلاق الصحيفه ، و سفره فيما بعد للعيش في فرنسا ، حيث كتب في ملف توفيق طوقان بخط اليد باللون الارزق ، و الذي هو في القاصة السرية من فرع الجوازات للمخابرات الاردنية اطلعني عليه احد مسؤولي المخابرات في التسعينيات و من ضمن كا هو في الملف ": توفيق طوقان كتب عن لقاءات اسرائيل مع رئيس الوزراء بهجدت التلهوني و الملك الحسين ". كان ذك سبا كافيا في حينها لاغلاق الجريدة و سحب جواز السفر ممن سيعرض عليه الملك لاحقا منصب رئيس وزراء!!!!!
تغاضي الملك الحسين عن كل ذلك في السبعينيات و رأي في توفيق طوقان الشخص الافضل للخروج من الازمة و لكن " طوقان " اعتذر عن قبول منصب رئيس الوزراء على سيل من دماء اردنيون و فلسطينيون ، فشكلت حكومة عسكرية فر رئيسها الي مصر و بعدها عهد الى احمد طوقان بمنصب رئيس الحكومة فقبله فورا و بدون اي تردد لفترة لم تتجاوز اشهر و سقطت و رحلت.
نفس الشيء يتكرر اليوم ، معروف البخيت رئيس وزراء اردني ، امتهن التحاضر و يعيد طرح نفسه مفكرا تاريخيا و منظرا ، بعد ان خرج من سدة الحكومة ، يتحدث عن مفاوضات سرية بين فلسطينيون و اسرائيليون تحدث الان في لندن بعيدا عن الاردن و يصرح بها مطالبا بدور اردني ، متناسيا مفاوضات اردنية اسرائيلية سرية لسنوات بدون فلسطينيين ، و المفاوضات السرية اليهودية مع الشريف حسين ، مفاوضات توفيق ابو الهدى مع بيفين وزير خارجية بريطانيا ، ومتناسيا ما نشر علي لسان رؤساء حكومات اردنية وقت وادي عربه ان التفاوض السري هو سمه تاريخيه لحل المشاكل العالقة بين الدول مثلما حدث بين الاردن و اسرائيل و حق طبيعي لهما.!!!
لو تحدث معروف البخيت بتلك المفاوضات السرية في السبعينات او قبلها بقليل ، ربما سجن او اعتقل او تمت تصفيته على يد انصار الرئيس الفلسطيني "ابو عمار "!
توفيق طوقان اغتيل في فرنسا ، 1971 ، لا يوجد له شهاده وفاة ، لا يوجد له قبر تزوره عائلته في باريس ، غير معروف ماذا حدث معه و له؟ ، و يعتقد الساسة ان واجب وزارة الخارجية الاردنية ان تعرف ماذا حدث له و تطلب من سفيرها في باريس تقرير بالكامل عنه وحياته و املاكه ،وان تمنح من رفض منصب رئيس الوزراء يوما ما ، فرصة التحقق و التحقيق فيما حدث و ما جرى له و من اغتاله و من الجهة التى وقفت وراء ذلك.
انها قصة من المفاوضات السرية بين اجهزة الامن ، ربما حان وقت اعلان الحقائق بعد اربعين عاما علي ملف ما زال مجهولا تماما كما هو مجهول "المفاوضات السرية بين من و لاجل من؟"
يشكر رئيس الحكومة معروف البخيت علي حوارياته و افكاره رغم ما يتعرض له من نقد و انتقاص و رغم الاختلاف معه و حوله و أن كان امين عمان السابق قد وصفه خلال لقاء نشر معه على الصحف الالكترونية :"ان الاستماع الي اليسا اهم من محاضرات معروف البخيت ".

(إيلاف - د. عبدالفتاح طوقان)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا