المعشر: الاصلاحات في الاردن ظاهرية




المعشر: الاصلاحات في الاردن ظاهرية
17/12/2013
د. مروان المعشر
الحال أنّه ثبت منذ البداية أن تسمية 'الربيع العربي' تبسيطية للغاية. صحيح أن عمليات التحوّل تتحدّى التوقّعات القاطعة، لكن هل ستذكّرنا الصحوة العربية في نهاية المطاف بما حدث في أوروبا في العام 1848، عندما اندلعت ثورات عدّة في غضون بضعة أسابيع سرعان ما تلتها ثورات مضادّة وحكم استبدادي متجدّد؟ أم ستكون أشبه بانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1989، الذي سارت بعده بعض البلدان نحو الديمقراطية بسرعة، بينما بقيت بلدان أخرى رازحة تحت نير الدكتاتورية؟
على كل حال، يبدو واضحاً أن عملية التحوّل العربية ستحتاج إلى عقود حتى تنضج، وأن نجاحها غير مضمون بتاتاً. فالحركات التي تقودها أكثر إجماعاً حول ما تعارضه منه حول ما تؤيّده. بيد أن النقاش بشأن تعريف هذه الصحوة قد بدأ.
إن تحويل التحركات التي تجتاح الشرق الأوسط إلى قوى تغيير متسقة وفعّالة سيستغرق وقتاً. إذ لم يشهد التاريخ قط نضوج أي عملية من هذا القبيل وتحقيقها التطور والاستقرار في غضون سنتين أو ثلاث سنوات وحسب. لذا، فالسؤال المطروح على المدى الطويل هو ما إذا كانت التغييرات الحالية، على التباسها وغموضها وصعوبتها، ستؤدّي إلى قيام مجتمعات ديمقراطية. يجدر الذكر هنا أنّ العام المقبل سيوفِّر مؤشرات عمّا إذا كانت بلدان العالم العربي متجّهة نحو الديمقراطية والتعددية أو مبتعدة عنها.
سيشهد العام2014 تحرّك بلدان الشرق الأوسط في اتجاهات مختلفة. فبينما سيخطو بعضها نحو الديمقراطية الحقيقية، ستواصل حكومات بلدان أخرى إدامة سياسات عفا عليها الزمن، الأمر الذي يمكّنها من تجنّب معالجة التحدّيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحقيقية التي تواجه.
الديناميكيات المؤثّرة
هناك ثلاث ديناميكيات رئيسة تحدّد منحى تطوّر الصحوة العربية. الحصيلة الأولى، وربّما الأهم، للثورات العربية هي انتقال الحركات الإسلامية - المتفرّعة بمعظمها عن جماعة الإخوان المسلمين – من كونها جماعات معارضة إلى قوى سياسية رئيسة في معظم البلدان التي تمرّ بفترات انتقالية. ويبدو هذا التحوّل أكثر وضوحاً في تونس والمغرب وإلى حد أقلّ في ليبيا واليمن. وقد انطبق ذلك على مصر أيضاً إلى أن أطاح الجيش الصيف الماضي الحكومة الإسلامية المنتخبة.
سيبقى الإسلام السياسي عنصراً محرّكاً في العام المقبل من الصحوة العربية، وإن بطريقة مختلفة. إذ تراجع كثيراً التأييد الشعبي للإسلاميين في مصر وتونس. وهذا التطور تحدّى جديّاً مفهوم'التهديد الإسلامي'، وهي الفكرة القائلة إن القوى السياسية الإسلامية لن تترك السلطة بعد الحصول عليها، والتي تتبناها بعض الأوساط على نطاق واسع وغالباً ماتستخدمها الأحزاب المدنية للحؤول دون انتخاب الإسلاميين. فالمصريون أنفسهم الذين صوّتوا للإسلاميين قد تظاهروا ضدّهم بأعداد غير مسبوقة في غضون سنة واحدة، وهي فترة قصيرة، الأمر الذي يثبت ما أشارت إليه الكثير من استطلاعات الرأي بالفعل: مهما كان الشارع العربي محافظاً أو متديّناً، فإنه يحكم على قوى السلطة من خلال أدائها لا إيديولوجيتها.
إنّ واقع إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي في مصر على يد الجيش لا الناخبين، قد يلغي أي درس يمكن استخلاصه عن العواقب المترتّبة على القادة الذين يخفقون. لكن في تونس، يبدو أن الحزب الإسلامي الحاكم، حزب النهضة، يخسر التأييد الشعبي باطّراد لصالح ائتلاف من القوى العلمانية. وخلافاً لما حدث في مصر، لم يعمد الجيش التونسي إلى التخفيف من هذه العملية من خلال التدخّل في الشؤون السياسية. وفي غضون ذلك، لم تتحالف أكبر قوة سياسية سلفية في مصر مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بل انحازت إلى الجيش. وتشير هذه التطورات إلى أن الإسلاميين، حتى الإسلاميين المتطرّفين، منفتحون على تقديم التنازلات ما أن يصبحوا جزءاً من العملية السياسية.
على مدى السنوات القليلة الماضية، فقد الإسلاميون ' قدسيّتهم' في العالم العربي، ولم يعد شعارهم 'الإسلام هو الحلّ' جذّاباً لشرائح واسعة من السكان، بعد أن حظي بشعبية كبيرة في السابق. وبعد مرور ثلاث سنوات على الانتفاضات العربية، بدأت الشرائح الشابة والواقعية من السكان بالانحياز إلى الأداء على حساب الإيديولوجية في المنطقة. لذلك، يتعيّن على الإسلاميين الذين يواجهون هذا الضغط أن يعيدوا تعريف أنفسهم ويقدّموا حلولاً عملية للتحدّيات الاقتصادية التي تواجه مصر وتونس والمغرب ودولاً أخرى، إذا أرادوا الحفاظ على شعبيتهم التي بدت في السابق وكأنها لاتقهر.
يُعزى العامل الثاني الذي يؤثّر على عمليات الانتقال العربية إلى المعركتين الداخليتين اللتين يبدو أن الإسلام السياسي يخوضهما، وتدور رحى إحداهما بين الحركات المتفرعة عن جماعة الإخوان المسلمين وبين الجماعات السلفية، فيما تدور الأخرى بين المسلمين السنّة والشيعة. وقد تحدّد نتيجة المعركة الأولى إلى حدّ كبير مسار الإسلام السياسي المقبل، أي ما إذا كان سيصبح أكثر شمولية أو أصولية، سلمياً أو راديكالياً، رجعياً أو عصرياً، أو غير واضح المعالم.
تثير المعركة الثانية التي يخوضها الإسلام السياسي القلق بصورة خاصة، ذلك أنّ التوتر بين السنّة والشيعة آخذ في الارتفاع بوتيرة مقلقة في بلدان مثل البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية ولبنان، وبصورة مفجعة إلى أقصى حدّ في سورية. يُضاف إلى ذلك أنّ المطالب السياسية في هذه البلدان كافة تتحوّل إلى مطالب طائفية. ففي حالات كثيرة، ولاسيما في بلدان الخليج، تفاقم سياسات الإقصاء والتمييز التي تنتهجها الحكومات 'تطييف' السياسة.
تؤكّد الفجوة القائمة بين السنّة والشيعة افتقار المنطقة إلى احترام التنوّع بأشكاله كافة، سواء أكان دينياً أو سياسياً أو ثقافياً. ولا يعدّ هذا الانقسام دينياً وحسب، بل هو سياسي وثقافي أيضاً في الكثير من الأحيان. صحيح أن اتفاق سايكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا أنشأ كيانات مصطنعة عندما قسّم الإمبراطورية العثمانية ورسم حدود دول الشرق الأوسط الحديث في العام 1916. ولكن الصحيح أيضاً أن معظم الحكومات العربية لم تنمِّ في بلدانها حسّ المواطنة الحقيقية الذي تتفوّق فيه الهويّة الوطنية على أي ولاءات أخرى للهويّات الدينية أو العرقية أو القبليّة. ويبدو هذا واضحاً خصوصاً في المشرق، ولاسيما في دول مثل العراق وسورية ولبنان والأردن. وتعدّ مظالم الشيعة في المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت سياسية أكثر منها دينية، وتنبع إلى حدّ كبير من معاملتهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وتبدو المشكلة أقلّ حدة في بلدان المغرب العربي، حيث اعتبر المصريون والتونسيون، على سبيل المثال، أنفسهم مواطنين كاملين قبل فترة طويلة من نشوء دولتي مصر وتونس الحديثتين.
أمّا العامل الأخير الذي يشكّل الصحوات العربية فهو القوى المدنية التي لم تقبل بسهولة صعود الإسلام السياسي، وتصرّفت بطريقة توحي بأنها تؤيّد الديمقراطية طالما أنها توصلهم إلى السلطة وحسب. وبعبارة أخرى، القوى المدنية منخرطة في الممارسات المعادية للديمقراطية التي تتّهم الإسلاميين بممارستها، كما تبيّن من دعمها قيام الجيش المصري بعزل مرسي (علماً بأن هذه الخطوة أتت نتيجة خروج الملايين من المصريين إلى الشارع لمعارضة الرئيس).
العام المقبل
ستشهد مصر في العام 2014 استفتاء على دستور جديد إضافةً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، ولكنها لن تضع نفسها على مسار متماسك نحو الانتقال الديمقراطي. إذ سيظهر أن الدستور الجديد ينفّر الإسلاميين في المجتمع، ويكرّس السلطات السياسية المعزَّزة للجيش، بما في ذلك التحرّر من السيطرة الرئاسية، والصلاحيات الواسعة لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
من المرجّح أن يترشّح الفريق عبد الفتاح السيسي، قائد القوات المسلحة المصرية، لمنصب الرئاسة ويفوز بأغلبية ساحقة، بيد أن ذلك لن يضمن الاستقرار في مصر. فالجيش يتصرّف بطريقة حادة جدّاً، كما هي عادة الجيوش، وقد بدأ ينفّر حتّى شرائح من المجتمع كانت تؤيده حتى الآن. وسيشهد العام 2014 زيادة حدّة التوتّرات بين القوى العسكرية والأمنية من جهة، والجهات الفاعلة الإسلامية من جهة أخرى. وسيشهد أيضاً تدهور العلاقات بين الجيش والمعارضة المدنية، وبخاصة الشباب. كما أنّ استمرار المظاهرات وتصاعد هجمات الإسلاميين على أهداف عسكرية وأمنية في سيناء وأماكن أخرى سيجعل من الصعب، وربما من المستحيل، مواجهة التحدّيات الاقتصادية في البلاد. إذن، مصر ليست في منأى من الخطر بعد.
في تونس، تبدو عملية الانتقال واعدة أكثر، لكنها لاتزال عرضة إلى التهديد. ومن المرجّح أن يشهد العام 2014 إقرار الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية. ويواجه الإسلاميون الحاكمون خطراً حقيقياً يتمثل في احتمال خسارتهم في هذه الانتخابات أمام ائتلاف مدني. وفي حال حدث ذلك، سيشكّل سابقة لجهة تولّي القوى الإسلامية السلطة السياسية، ثم التخلّي عنها بإرادة شعبية. وستكون لهذه السابقة تداعيات في جميع أنحاء المنطقة، وستجرّد حكومات عربية كثيرة من فرصة استخدام ما يسمّى التهديد الإسلامي كتكتيك تخويفي يرمي إلى إحباط أي إصلاحات حقيقية. غير أن التوافق السياسي بين الإسلاميين و المدنيين الذي سمح لعملية الانتقال بالمضيّ قُدُماً، ولو بشكل متقطّع، سيظل عرضة إلى إرهاب الجماعات السلفية.
بالنسبة إلى ليبيا، قد يكون العام 2014 عاماً محورياً تبدأ فيه البلاد بالتعافي البطيء نحو مزيد من الاستقرار والتماسك. وستجري ليبيا انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع مسودّة دستور البلاد، كما ستعقد حواراً وطنياً طال انتظاره تحت رعاية الأمم المتحدة ومكتب رئيس الوزراء. ويبشّر كلا الحدثين بحصول مصالحة سياسية، ويمثّلان فرصة لحلّ نزاعات شرسة حول التوازن بين السلطتين المركزية والبلدية.
ويمكن أن يشهد العام 2014 أيضاً عملية تعزيز محتملة لقوات الجيش والشرطة وحرس الحدود الليبي نتيجة التدريب والدعم المادي المقدّم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). ولكي تتمتّع هذه الجهود بتأثير دائم وإيجابي، يجب أن تترافق مع حوار وبرنامج منظّم لنزع السلاح والتسريح وإعادة دمج ميليشيات البلاد الكثيرة في المجتمع.
سوف تواصل سورية الهيمنة على الأخبار في العام 2014 مع استمرار حرب الاستنزاف المدمّرة التي لايمكن لأي من طرفي الصراع كسبها أو خسارتها نظراً إلى الحالة الراهنة. ولن يسفر مؤتمر السلام المزمع عقده والمعروف باسم جنيف 2عن اتفاق بشأن تشكيل حكومة انتقالية قادرة على توجيه سورية نحو مرحلة جديدة. وستواصل الديناميكات الإقليمية والداخلية في التحوّل لصالح الرئيس السوري بشار الأسد في ظلّ القلق الدولي من تنامي دور الجماعات الإسلامية المتطرّفة في المعارضة. وستطرح مشكلة اللاجئين، التي لم يعد بالإمكان تحمّلها، تحدّياً هائلاً، ليس على المستوى الإنساني وحسب - أكثر من ثلث السكان السوريين هم بالفعل مشرّدون داخلياً أو خارجياً - بل أيضاً في دول مثل لبنان والأردن اللذين يستضيفان أعداداً من اللاجئين تعادل أكثر من 20 في المئة من سكانهما.
وليست الأنظمة الملكية في العالم العربي، الغنية والفقيرة منها على حدّ سواء، بمنأى عن التحدّيات التي تواجه سائر دول المنطقة. بيد أنها لم تشهد في الغالب الاضطرابات نفسها التي واجهت الأنظمة الجمهورية. وقد حاولت الأنظمة الملكية الخليجية الغنية وقف الانتفاضات من خلال الوسائل المالية (وفي حالة البحرين من خلال التدابير الأمنية). واستخدم المغرب والأردن، البلدان الفقيران، شرعية قادتهما لمحاولة القيام بعملية إصلاح ظاهرية إلى حدّ كبير تمثّلت في 'الإصلاح من الأعلى' كي تبقى الحكومات متقدّمة على الشارع.
وقد نجحت هذه التدابير حتى الآن في تجنيب الأنظمة الملكية العربية الاضطرابات والانتفاضات التي وقعت في بلدان كثيرة في أنحاء المنطقة كافة، لكنها لم تنجح في مواجهة التحدّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة في هذه الدول، الأمر الذي يجعلها غير قابلة للاستمرار. مع ذلك، ما من مؤشّر على أن قادة هذه الدول قد استوعبوا الحاجة إلى التصدّي الجدّيّ للمشاكل المحدقة.
حاولت المملكة العربية السعودية أن تعزل نفسها ودول الخليج العربية عن قوى التحوّل في المنطقة من خلال سياسات عفا عليها الزمن، تمثّلت في تقديم الإعانات والقيام بإصلاحات ظاهرية، والتدخّل العسكري في حالة البحرين واتخذت الرياض خطوات أبعد من الخليج، إذ سعت إلى كبح الصعود الإقليمي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية والنفوذ الإيراني، من خلال اتّباع سياسة خارجية أكثر حزماً ومعادية للثورة (مثل تقديم المساعدات المالية للحكومة المدعومة من الجيش في مصر) ومؤيدة للثورة في الوقت نفسه (مثل تقديم الدعم العسكري إلى الثوّار المناهضين للأسد في سورية). وقد أدّى موقفها من البلدين إلى فتح هوّة واسعة في علاقاتها مع الولايات المتحدة بشأن النظام الإقليمي الذي تبلور عندما توصّلت واشنطن وقوى عالمية أخرى إلى اتفاق مؤقّت مع طهران من شأنه أن يجمّد بصورة مؤقّتة أجزاء رئيسة من البرنامج النووي الإيراني. فقد ادعّت المملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة خانتها بسبب إخفاء الصفقة الإيرانية عنها، وهدّدت بانتهاج سياسة خارجية أكثر تفرّداً. والواقع أن ليس أمام الرياض سوى خيار واحد هو السير على خطى التوجّه العام لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن غير المرجّح أن تنفّذ تهديداتها.
سيستمر الأردن في الشعور بأنه قد نجح في تجنّب موجة عمليات الانتقال العربية، من دون التصدّي جديّاً إلى بعض التحدّيات الاقتصادية والسياسية الرئيسة التي تواجه البلاد. ومن المرجّح أن يدوم نجاحه هذا للوقت الحالي على الأقلّ.
قد يكون العام 2014 حاسماً بالنسبة إلى إيران على الصعيد الداخلي، وفي ما يتعلق بعلاقاتها الخارجية. ففي حين شكّل الاتفاق النووي المؤقّت نجاحاً باهراً ، يبدو أن لدى الولايات المتحدة وإيران توقّعات غير متطابقة أساساً بشأن التوصّل إلى صفقة شاملة. إذ تتوقّع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والكونغرس الأميركي أن تقدّم طهران تنازلات نووية أكبر، في حين يشعر المتشدّدون في إيران أنهم قدّموا ما يكفي من التنازلات ويتوقّعون من الكونغرس أن يرفع جميع العقوبات المفروضة على البلاد.
من المرتقب أيضاً رؤية ما إذا كان بوسع الانفراج النووي مع طهران أن يعزّز آفاق تعاون بارز بين الولايات المتحدة وإيران حول القضايا الإقليمية. لكن، ما من مؤشّرات ملموسة حتى الآن إلى أن طهران تستعدّ لتعديل مبادئها الثورية الراسخة، مثل مقاومة الولايات المتحدة وعدم الاعتراف بوجود إسرائيل. في هذا السياق، يبدو من المستبعد حدوث تحوّل جوهري في السياسات الإيرانية التي تشكّل معضلة للبلدان الإقليمية والولايات المتحدة، مثل دعم نظام الأسد في سورية أو حزب الله في لبنان.
حدث تطوّر مهم في إيران على المستوى الداخلي تمثّل في عودة المجتمع المدني والطبقة المتوسطة إلى الظهور في البلاد. فقد أعاد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني إحياء هذه الجماعات التي تضغط من خلال قاعدتها الشعبية على الحكومة لاحترام الحريات المدنية في الداخل والقيام بعملية تقارب مع العالم الخارجي. بيد أنّ هذا الانفتاح يضرّ جدّاً بفصائل قوية جداً في إيران. ومن غير المعروف بعد ما إذا كان المرشد الأعلى آية الله خامنئي سيدعم في نهاية المطاف البراغماتيين أو المتشدّدين.
ومن شبه المؤكّد أن يشهد العام2014 فشل المفاوضات الرامية إلى حلّ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فبعد مرور خمسة أشهر على بدء عملية التفاوض المقرّر أن تستغرق تسعة أشهر، ما من مؤشّرات إلى أن الطرفين قد بدآ حتى في استجلاء القضايا الصعبة التي تفصل بينهما. وسيوضح فشل هذا الجهد الأميركي الأخير رفيع المستوى مايعرفه الكثيرون منذ بعض الوقت، وهو أن المقاربات التقليدية لهذه المسألة عاجزة ومفلسة.
وقد توقّع الكثير من المحلّلين أن ينفجر الشارع الفلسطيني مرة أخرى مستلهماً روح الانتفاضات العربية. بيد أن الانتفاضة الثالثة لم تحدث لأسباب غير واضحة تماماً. ويعزو البعض ذلك إلى شعور الفلسطينيين بالإرهاق من انتفاضتين مكلفتين جداً لم تحقّقا الاستقلال. ومن غير المؤكّد أن يشهد العام 2014 انتفاضة أخرى، مع أن الوضع سيصبح غير قابل للاستمرار بصورة متزايدة في حال فشلت المحادثات الحالية من تحقيق أي نتيجة. وإذا ما استمرّ التقدم الدبلوماسي على الجبهة النووية الإيرانية، من شأنه أن يبدأ في تغيير الديناميكيات على الأرض ويفتح الباب أمام دبلوماسية جديدة متعدّدة الأطراف بشأن القضية الفلسطينية.
ستسلّط السنة الرابعة من الصحوة العربية الضوء على مسارات هامة، بما في ذلك مستقبل الإسلام السياسي واتّساع الفجوة بين السنّة والشيعة ودور الأحزاب المدنية وردود فعل الدول التي لم تشهد عمليات انتقالية. بيد أن العام 2014 سيشكّل في نهاية المطاف مجرّد صفحة واحدة من الفصل الأول من كتاب طويل في التاريخ العربي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا