تيسير نظمي لا ينشر ( أشجار هيرمان هسه ) بل مجلة (أفكـــــــــــــــــــــار ) الأردنية متأخرة خمسة شهور !


أشجار هيرمان هسه
كثر هم الذين أشاروا الليلة بأيديهم لي بالتحية ، هززت رأسي للبعض ولوحت بيدي لبعضهم الآخر ، غير مستغرب تحياتهم المفاجئة قبل بداية المسرحية ، في مسرح دائري ، ليس لأنهم مشتاقين لي أو يفتقدونني بل : أولا لأنني تكاسلت بصحبة السيدة الجميلة أن أتقدم الصفوف الأمامية التي هجرها كبار الضيوف و السفراء والفنانين الكبار والنجوم فأقعيت حيث هي اختارت مكانا علويا يشرف على الجميع بحيث ترى أي سيدة جميلة وقع تأثيرها عندما تجلس بقرب رجل معروف أو مثير للاهتمام و فضول النساء وأسئلتهن الدائمة : منذ متى يعرفها ؟ هل بينهما علاقة ؟ أين صديقته القديمة ؟ أين صديقها القديم ؟ هل ستتطور العلاقة بينهما ؟ شعرها جميل و لكن فستانها عادي غير مثير هذه الليلة ؟ قميصه جديد و أنيق ومزاجه الليلة متعكر ..كنت أعرف هذه الحقيقة وثانيا وثالثا من الأسباب،  وربما هي أيضا بجانبي تعرفها و تحب أن نتبادل عن قرب الحديث و ربما الهمس بحيث تلامس خصلات شعرها وجهي و بحيث تقترب أنفاسي من حلمة أذنها كي لا يسمعنا أحد ممن هم خلفنا أو ممن هم بجوارنا . كنت متأكدا أن الأمر الذي يعنيهم ليس بالضرورة يعنيني، فكم من الصديقات جالست أو جاملت وربما أطريت وانتهينا إلى ما يشبه النسيان . تحياتهم لم تكن تماما لي وإلا لماذا لم أتلق أية تحية الليلة من أنثى ؟ حتى بعض من أعرف منهن كن عابسات قليلا عندما جال بهن بصري دون أن تنبادل الابتسامات ، لا شيئ جديدا في المسرحية ، انتهى العرض ففوجئت بمن تجالسني عن قرب تنهض و تصفق ، نعم تصفق بحرارة لعرض ساذج و غاية في السطحية لم يستدع نهوضي عن المقعد . هذا الفارق الأول بيننا و الذي لو أدركه رتل المحييين لي لما وجه بعضهم التحية . لا جديد في حياتي ومن الصعب أن يكون هنالك جديد لكثرة ما افتقدت ممن جالستهن و كن يجلسن بقربي و كلانا يحس بالزهو والنشوة لتلك المجالسة التي تفصح عن حب أو مشروع حب أو علاقة يتوجها الحب المشهر على الناس لمجرد رغبة الطرفين في اشهاره و متعة أن يتحدث عن أحدكما الناس أكثر مما يناقشون المسرحية . لا شيئ عاد يثير انتباهي،  لا من أجالسهم أو أرد لهم التحية ولا الموضوع المسطح أمامي على الخشبة و الذي يتحفتل حوله المخرج والممثلون . لكن ما اكتشفته الليلة فاق توقعاتي فتساءلت : عندما تكون المرأة ورقة خضراء من ورق الشجر أو غصنا تتدلى من صدره الفاكهة أو كزهر اللوز مزدانة بها الشجرة .. و على كثرة من عرفت من ورق الشجر والثمر و الأجاص الشهي و تين الشفتين المحلى بالعسل ..لماذا الليلة تحديدا غدوت شجرا عاريا من الورق في خريف هيرمان هيسه ؟ و هل ينتظر الشجر الموت بلا رهبة منه أو من مناشير و سواطير التجار و الحطابين ؟ و أي مشروع أعد به اليوم ؟ غرفة نوم فاخرة و أثاث مكتبي لحالمة ببيت وعرس وليلة من الشهوة العابرة ؟ لم أدرك فداحة وجه الشبه بيني و بين هيرمان و الشجرة الخريفية إلا عندما تذكرت كيف انهارت الزيتونة الرومية التي في ساحة الشجر أمام بيتنا في سيلة الظهر و كيف لم يعد حول منزلنا توت أو تين أو كرز أو حتى صبار أو مشمش . و خلال غيبوبتي نظرت حولي لمن كانت تجالسني بسعادة غامرة فإذا بها لم تعد بقربي ولا أنا انتبهت متى غادرت دوني منسلة لخارج المسرح .

عمان - 4 – أيلول 2012



في آخر لقاء - ما قبل الانتخابات- بين الكاتبة إنصاف قلعجي و الكاتب تيسير نظمي شكرت إنصاف الكاتب نظمي بحرارة على أنه عرفها بسبب من قصته (أشجار هيرمان هسه) بذلك الكاتب الذي شرعت تقرأ له رواية (دميان) :::: تقول الناقدة ديما خليل عن تلك القصة التي ظهرت اليوم في العدد 296 من مجلة أفكار : فضلا عن أن كاتب قصة (أشجار هيرمان هسه ) لخص لنا فهمه كناقد لمجمل حياة هيرمان هسه الألماني الأصل السويسري الإقامة والجنسية ! مازجا حياته الشعرية كشاعر ورواياته كروائي في قصة قصيرة جدا إلا أنه أيضا تكلم عن نفسه كفلسطيني الأصل ويعيش في الأردن أو الكويت بقصة تجلت بها عبقرية ونضج الناقد والقاص والشاعر . وقد أدرك سنكريز (تيسير) أن الهدف من الحياة هو المعرفة وأن لكل إنسان رسالة وهي العثور على الطريق نحو نفسه ؛ أن يعرف مصيره هو لا كيف مصير غيره ويكون مخلصا لنفسه؛ وغير ذلك ما هو إلا هروب وتملص وخوف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نيويورك تايمز: بوتين من الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية !

ريتا محمود درويش هل هي تمارا بن عامي أم تانيا رينهارت ؟ The Beloved Jewish

الحراكات والإسلاميين ينظمون مسيرة اصلاحية كبرى عشية الإنتخابات