حجب 304 مواقع إلكترونية أردنية بسبب العصيان المدني في معان وبسبب معركة القصير
دور القصير ومعان في حجب المواقع الأردنية
06/06/2013
شاكر الجوهري
علاقة وثيقة تربط بين العصيان المدني الذي
أعلن في محافظة معان، ومآلات الوضع السوري من جهة، والتطبيق المفاجئ لتعديلات قانون
المطبوعات والنشر بحق الصحف والمواقع الإلكترونية في الأردن.
تتمثل هذه العلاقة في:
أولا: دخول حزب الله اللبناني، وفيلق القدس
الإيراني على خط الصراع العسكري داخل سوريا، وكذلك التيار السلفي الجهادي في الأردن،
الذي تعتبر معان قاعدة رئيسة له داخل الأردن.
ثانيا: وجود قرار اردني مسبق بالعمل على
جميع الجبهات من أجل تجنيب الأردن ما يجري في سوريا حاليا، وما جرى من قبل في ليبيا
واليمن.
ثالثا: وجود قرار آخر بعدم الإستجابة لمطالب
اصلاحية جذرية، وفي المقدمة من ذلك تعديلات دستورية تنقل سلطة اتخاذ القرار من يد الملك،
إلى حكومة برلمانية منتخبة في انتخابات حرة ونزيهة فعلا لا قولا.
يتصل بما سبق حسبة سياسية ترى أن بقاء النظام
الحالي في سوريا من شأنه أن يعرض الأردن.. دولة ونظاما، لعمليات انتقامية موجهة من
خارج الحدود، يوكل أمر تنفيذها لخلايا نائمة داخلية.
كما ترى هذه الحسبة السياسية أن سقوط النظام
في سوريا، أكثر خطورة على النظام في الأردن من سقوط النظام السوري، ذلك أن من شأن ذلك
أن يوفر مناخات معنوية ومادية تشجع على اعطاء دفعة كبيرة للحراك الشعبي الأردني، الكامن
حاليا ـ إلى حد ما ـ تحت الرماد.
تؤخذ بعين الإعتبار هنا الحقائق التالية:
أولا: أن جماعة الإخوان المسلمين تتحفز
لتولي الحكم في الأردن، أسوة بتنظيمات الجماعة التي اصبحت تحكم الآن في مصر، وتونس،
وليبيا، واليمن.. سواء منفردة أو بالتحالف مع قوى سياسية أخرى.
ولا يزال المسؤولون الأردنيون يتذكرون حتى
الآن، تصريحات المهندس عزام الهنيدي، رئيس كتلة الإخوان المسلمين، في مجلس النواب،
سنة 2006، حين ألمح إلى رغبة الإخوان بتشكيل الحكومة في الأردن، بعد إعلان فوز حركة
"حماس" في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية.
ثانيا: أن التيار السلفي الجهادي في الأردن،
يقاتل الآن عمليا داخل سوريا، من خلال قرابة الـ 500 مقاتل.
هؤلاء يكتسبون خبرة ستجد متنفسا للتعبير
عنها داخل الأردن، فور سقوط النظام في سوريا.
الملك عبد الله الثاني الذي سبق له التصريح
في بداية الثورة السورية أنه لو كان محل بشار الأسد، لتنحى، لم يعد يكرر ذلك الآن..
الموقف الحالي للملك هو التوصل إلى حل سياسي
في سوريا من خلال الحوار بين مختلف الأطراف.. وهو ما يمكن أن يفهم منه أن الملك بات
يفضل بقاء نظام الأسد.
ولهذا سببان رئيسان:
1. أن هذا الموقف من شأنه أن ينتزع عوامل
الإنتقام من عقل النظام السوري.
2. عدم توفير ظروف مواتية لقيام ثورة مسلحة في
الأردن ذاته هذه المرة، وبالتالي تأمين أمن واستقرار النظام الأردني.
للتذكير، سبق للتيار المتشدد في جماعة الإخوان
المسلمين المشاركة في "الجهاد الأفغاني" ضد تواجد القوات السوفياتية في افغانستان.
ومعظم الذين قاتلوا في افغانستان، التحقوا بالتيار السلفي الجهادي في الأردن.
ثالثا: وجود مناخات اقتصادية أليمة، تتمثل
اساسا في تفشي الفقر والبطالة، تعشعش أساسا في مناطق الولاء التاريخي للعرش.. وهي تمثل
حاضنة أكيدة للتمرد.
للتذكير، فإن هبة نيسان 1989، التي فرضت
العودة للديمقراطية في الأردن، اندلعت شرارتها الأولى من معان.
رابعا: اضطرار الحكومة لاتخاذ اجراءات اقتصادية
تقتضي رفع اسعار المحروقات، وهذا قد تم.. ورفع فاتورة الكهرباء إلى الضعف تقريبا، وقد
يتم ذلك بالتدريج، وكذلك رفع فاتورة المياه..
وهذه عوامل مساعدة بشدة على التمرد.. إذ
لم يبق في جيب المواطن الأردني شيئا اضافيا يمكنه أن يقدمه للحكومة.
لذا، فقد بات مقررا، كما يبدو، القيام بإجراء
عسكري استباقي في معان.. هدفه؛ تفكيك البنية التحتية للتيار السلفي، ونزع سلاحها..!
يتبدى ذلك من التصريحات التي تحدثت عن ضرورة
فرض هيبة الدولة في معان.
صدر ذلك عن الفريق حسين المجالي، وزير الداخلية،
وكذلك عن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور.
الإخوان المسلمون، الأكثر دراية بالعمل
السياسي من السلفيين، سارعوا إلى حث ومناشدة أهل معان على عدم الذهاب بعيدا في تنفيذ
العصيان المدني.. الذي لوحوا به.
المحللون السياسيون في عمان، يذهبون إلى
تفسيرين لهذا الموقف:
الأول: أنه استمرار لنهج الإخوان المسلمين
الأردنيين في رفض العنف، والتورط فيه، ورفضهم كذلك المواجهة الفعلية مع النظام.
الثاني: أن الإخوان المسلمين لا يريدون
أن تخسر قوى المعارضة زخمها وقوتها قبل التوقيت المناسب لهبة جديدة يؤمل أن يبشر بها
سقوط النظام السوري..!!
وعلى ذلك، فإن النظام يريد ـ إن كانت قناعته
قد انعقدت على حتمية سقوط النظام السوري ـ أن يوجه ضربة استباقية لقوى المعارضة.. خاصة
المسلحة، بحيث يجهضها قبل التوقيت المناسب لاشتباكها مع قوى النظام.
مناشد الإخوان المسلمين، أجهضت ـ إن صح
هذا التحليل، ضربة النظام الإستباقية.
مثل هذه المناخات، تحتم لجوء النظام إلى
خطوة استباقية أخرى على الجبهة الإعلامية، التي يمثل الإعلام الإلكتروني رأس الرمح
فيها.
ويتبدى ذلك في:
أولا: دور هذا الإعلام في كشف الفساد، المحرك
الأساس، إلى جانب الفقر والبطالة، للحراكات الشعبية.
ثانيا: دور هذا الإعلام في نشر أخبار وبيانات
الحراك وفعالياته، وهذا يمثل عامل تشجيع لبقية المواطنين على الإنخراط في الحراك الإصلاحي..!
يتأكد ما سبق، من الإنقلاب الحكومي المفاجئ
من التمهيد لتعديل قانون المطبوعات، تجاوبا مع مطالب الإعلام الإلكتروني، إلى حجب الغالبية
الساحقة للمواقع الإلكترونية (304 مواقع) بحجة عدم الترخيص..!!
ولنستعرض المواقف الحكومية كما يلي:
أولا: حين شكل الدكتور عبد الله النسور
حكومته الأولى، أعلن أنه (وهو الذي عارض قانون المطبوعات في مجلس النواب) سيعمل على
تطبيق القانون بأقصى قدر من حسن النية.
ثانيا: وجه النسور مدير المطبوعات والنشر
(بوجود الكاتب) بتاريخ 16/1/2013، بعدم حجب أي موقع غير مرخص.
ثالثا: حين انتقدت مدير عام المعهد الدولي
للإعلام، في الكلمة التي افتتحت بها المؤتمر 62 للمعهد في عمان مؤخرا، مبدأ ترخيص الصحافة
الإلكترونية، طمأنها الرئيس النسور بوجود توجهات ايجابية لتعديل التشريعات ذات الصلة.
رابعا: قبل عشرة أيام تقريبا من حجب المواقع،
ابلغ وزير الدولة لشؤون الإعلام والإتصال الكاتب (بصفته رئيس جمعية الصحافة الإلكترونية)
أنه تم تشكيل لجنة رسمية لبحث تعديل قانون المطبوعات في ضوء مطالب الجمعية، ووعد بأن
تمثل الجمعية في اللجنة.
فيما كان الكاتب ينتظر اتصالا من وزير الدولة
لشؤون الإعلام للمشاركة في اجتماع لجنة تعديل القانون، وفي ذات اليوم الذي وجه فيه
الملك رسالته الرابعة للشعب بعنوان "التمكين الديمقراطي"، تم حجب مئات المواقع
الإلكترونية..!!
ما الذي تغير فجأة..؟
نحن نرى تغيرين رئيسين:
الأول: رجوح احتمال سقوط بلدة القصير السورية
بيدي مقاتلي حزب الله والجيش السوري.
الثاني: ارتفاع وتيرة التقارير التي تؤكد
احتمال افتعال اسرائيل لحرب على سوريا وحزب الله، وربما كذلك ايران.. على خلفية إعلان
الرئيس السوري استلام قواته صواريخ S300 الروسية، ومواصلة تسليح النظام
السوري لحزب الله.
الظروف الإقليمية الساخنة والصعبة، لطالما
تسببت بتأجيل الإنتخابات البرلمانية، وتعطيل الحياة الديمقراطية في الأردن، وحرية الإعلام
شكل رئيس من أشكال الحياة الديمقراطية غير المواتية للأنظمة.
تعليقات