دراسة لأنيس القاسم عن الوضع القانوني للأردني من أصل فلسطيني





دراسة مهمة عن الوضع القانوني للأردني من أصل فلسطيني

29-04-2013

كتب- الدكتور أنيس القاسم /احدالمراجع القانونيه البارز ا لصالح المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية دراسة مهمة جدا عن الوضع القانوني للأردني من أصل فلسطيني
بداية، ان هذا الاستعراض للوضع القانوني للاردني من اصل فلسطيني يتعلق حصراً بالمواطنين من سكان الضفه الغربية وذلك حين ارتبطت الضفة الغربية مع الضفة الشرقية بقرار وحدة الضفتين الصادر في العام 1950. وبالتالي لا يشمل اهالي قطاع غزة وفلسطينيي الدول الاخرى.

دخل الجيش العربي الاردني فلسطين في 19/5/1948، واعلنت الاحكام العرفية في المناطق الفلسطينية التي وقعت تحت سيطرة الجيش وتم تعيين عمر مطر حاكماً عسكرياً للمنطقه، واصبحت تدار بقانون الدفاع الصادر في العام 1935.

بتاريخ 20/12/1949، صدر عن مجلس الوزراء قانون اضافي لقانون الجنسية الاردني الصادر في العام 1928. نص التعديل في الماده الثانية منه على ان “جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الاردن او في المنطقه الغربيه التي تدار من قبل المملكة الاردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون انهم حازوا الجنسية الاردنية ويتمتعون بجميع ما للاردنيين من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات.”

بعد مراجعة اعداد جريدة “فلسطين” خلال فترة اصدار تعديل قانون الجنسية، لا يوجد هناك اية اشارة الى ان وجهاء او مخاتير او رؤساء البلديات في الضفة الغربية او بعضهم طلب من الحكومة الاردنية اكساء الفلسطينيين بالجنسية الاردنية. وفي حال غياب ما ينقض هذا القول، فان النتيجة الحتمية للتعديل وهو انه تمّ فرض الجنسية الاردنية فرضاً على الفلسطينيين، وهو أمر مخالف للقانون الدولي العرفي الذي يؤكد على حرية اختيار الجنسية. كما ان الاثر القانوني المباشر لفرض الجنسية الاردنية على الفلسطينيين هو انه تمّ – عملياً- شطب الجنسية الفلسطينية والتي نظمها قانون الجنسية الفلسطيني الصادر في العام 1925.

صدر قانون الجنسية الاردني في العام 1954، وذلك امتثالاً لنص المادة 5 من الدستور التي نصت على ان الجنسية الاردنية تنظم بقانون. قانون الجنسية الاردني، بكل المعايير، قانون متقدم نسبياً ولاسيما في مسألة سحب الجنسية؛ اذ أنه جعل سحب الجنسية مسألة خاصه بمجلس الوزراء، وليس بوزير او دائرة او هيئة. ثم احاط القانون مسألة سحب الجنسية بضمانات بحيث لا يتم سحب الجنسية من اردني (أ) إلاّ بعد توجيه طلب له من مجلس الوزراء بترك خدمته المدنية او العسكرية في الدولة الاجنبية، فاذا رفض هذا المواطن ترك وظيفته المدنية او العسكرية لدى الجهة الاجنبية، فان (ب) مجلس الوزراء يتخذ قراراً بسحب الجنسية، واذا كان المواطن يؤدي خدمة مدنية اجنبية فان قرار مجلس الوزراء (ج) يجب ان يقترن بالمصادقة الملكية، (د) وينشر في الجريدة الرسمية. وبعد كل ذلك، (هـ) يحق للمواطن ان يطعن في قرار مجلس الوزراء امام محكمة العدل العليا. أي هناك خمس ضمانات تحمي المواطن الاردني من خطر سحب جنسيته وهذه ميزه ذات دلاله هامه للقانون الاردني

القى المرحوم الملك حسين خطاباً في 31/7/1988، اعلن فيه فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفه الغربيه. لم يأخذ هذا الخطاب شكل وثيقه قانونيه بمعنى انه لم تتم ترجمته لا في شكل تشريع ولا في صيغة قرار من قرارات مجلس الوزراء. ظل الخطاب خطاباً سياسياً. في 20/8/1988، اصدر مجلس الوزراء سلسله من التعليمات التي مازالت سريه، ولم تعلن لا في الجريده الرسميه ولا في بلاغ رسمي ولا عن طريق الناطق الرسمي باسم الحكومه. يفهم من مجموع ما تمت لملمته من تصريحات من ان الاردنيين المقيمين عادة في الضفه الغربيه لم يعودوا اردنيين، اي انهم جردوا من الجنسيه الاردنيه في ليلة واحده دون مقدمات او تمهيد او تحذير او تنبيه. وقد تأثر من هذه التعليمات اكثر من مليوني شخص وهم المقيمون في الضفه الغربيه، اذ اصبحوا عديمي الجنسيه. حاولت الحكومه الاردنيه ان تتستر على هذه الجريمه بمقولة انهم اصبحوا “فلسطينيين”، الاّ ان هذا القول لا يستقيم وصلاحية الدوله في تحديد جنسيه الآخرين. فالاردن يستطيع ان يحدد جنسية “الاردني” الاّ انه لا يستطيع تحديد جنسية المصريين او الالمان او الاتراك، وبالتالي لا يملك صلاحية تحديد جنسية هؤلاء بأنهم فلسطينيون.

من المهم ملاحظة ان سحب الجنسية الاردنية من مواطنين اردنيين مقيمين في الضفة الغربية قد تمّ بالمخالفة للاجراءات الواردة في قانون الجنسية الوارد ذكرها اعلاه، وبالمخالفة لمعايير القانون الدولي الخاصة بالجنسية كما انه تمّ تجريد هؤلاء الاردنيين من جنسيتهم وهم واقعون تحت الاحتلال الاسرائيلي مما يحرمهم من الحماية الديبلوماسية للدولة الاردنية. وهي دولة ذات سيادة وطرف في اتفاقيات جنيف.

وهكذا تتمثل مأساة الاردنيين من اصول فلسطينية في القرارت التي تصدر عن الدولة الاردنية دون التشاور مع الجانب الفلسطيني او التنسيق معه. ففي 20/12/1949، افاق الفلسطينيون فإذا هم اردنيون، وفي 20/8/1988 أفاق الفلسطينيون – الاردنيون فإذا هم بلا جنسية.

ان المأساة لازالت تتفاعل وتتفاقم. إذ أن صلاحية سحب الجواز من اردني تمّ التنازل عنها عملياً من مجلس الوزراء الى دائرة تابعه لوزارة الداخلية تسمى دائرة المتابعة والتفتيش. ثم ان هذه الدائرة تتوسع في تحديد الشروط التي تبرر – في رأيها- سحب الجنسية الاردنية من اردني ذي اصل فلسطيني. وفوق هذه وتلك، اغلق باب القضاء في وجه اي دعوى يقيمها مواطن اردني ضد قرار سحب جنسيته بمقولة ان هذا الامر يتعلق بأمور السيادة ولا يجوز بالتالي للقضاء التصدي له. وحين تحدى رئيس محكمة العدل العليا الدكتور فاروق الكيلاني هذا القيد وقضى بأن “حرمان الاردني من جنسيته عمل غير مشروع … ولا يجوز نزع الجنسية استناداً لقرارات الادارة ذلك ان القاعدة ان ما ينظمه المشرع بقانون لا يجوز تعديله إلاّ بقانون، ولا يجوز تعديله بقرار اداري او تعليمات…”. ويقول الدكتور الكيلاني في كتابه القيم “استقلال القضاء” انه على أثر ذلك القرار طلب منه وزير العدل آنئذٍ ان يقدم استقالته، مما يعني تدخل الجهاز التنفيذي في السلطة القضائية وذلك بالمخالفة للمبدأ الدستوري الخاص بفصل السلطات.

تجدر الاشارة الى ان مقولة “عمل من اعمال السيادة” التي يحظر فيها على محكمة العدل العليا التصدي فيها لمسألة تتعلق بالجنسية، مقصورة فقط على أية دعوى يقيمها اردني من اصل فلسطيني على جهة الادارة التي قررت سحب جنسيته. وللتدليل على صحة هذا القول، فانه يمكن ايراد المثال التالي، حيث اقام مواطن من اصل سوري دعوى ضد الحكومة الاردنية حيث ادعى انه استوفى جميع الشروط المطلوبة في المادة (4) من قانون الجنسية لاكتساب الجنسية الاردنية، الاّ ان جهة الادارة رفضت طلبه ضمنياً. فأقام الدعوى ضد الحكومة، وقالت محكمة العدل العليا في قرارها الصادر بتاريخ 24/11/2009، ان سلطة مجلس الوزراء بمقتضى المادة (4) “هي سلطة مقيدة بشروط هذه المادة” وحيث فشلت الحكومة في اثبات عدم توفر الشروط المطلوبه لمنح المدعي الجنسية الاردنية، فيكون قرارها “مستوجب الالغاء”. لم يرد في حيثيات هذا القرار اية اشارة الى “اعمال السيادة”، بل ان المحكمة اكدت ان سلطة مجلس الوزراء مقيّدة بالقانون، مما يقدح في مقولة ان الجنسية أمر من متعلقات السيادة.

ان الاجهزة المسؤولة عن عملية سحب الجنسية من اردنيين ذوي اصول فلسطينية تقدم احياناً تبريرات لتصرفاتها. تقول الاجهزة انها لا تسقط الجنسية عن اردني بل تقوم بمجرد تصويب اوضاعه. وهذه عمليه تتم بتوجيه طالب جواز سفر الى مراجعة دائرة المتابعة والتفتيش التي غالباً ما تقوم باسقاط الرقم الوطني متذرعة بتعليمات فك الارتباط. وهكذا تزعم الاجهزة بأنها لا تسقط الجنسية بل تسقط الرقم الوطني ليس إلاّ. واذا علمنا ان قانون الاحوال المدنية ينص على ان الرقم الوطني لا يمنح الاّ للمواطن الاردني، فان اسقاطه يعني بالضرورة انه لم يعد اردنياً.

وتدّعي الاجهزة ان ما تقوم به من اجراءات هو دعم للاشقاء الفلسطينيين في الصمود في وجه العدو الصهيوني الذي يخطط لاخلاء الاراضي المحتلة من سكانها وافساح المجال للاستيطان الصهيوني. لا جدال في صحة هذا القول، الاّ انه في الواقع يحتاج الى تفسير من الاجهزة لكي تشرح لنا كيف ان احباط المخطط الصهيوني يتم بتجريد الاردني من اصل فلسطيني من حقوق المواطنة، سيما وأن الاجهزة تمنح هذا المواطن حق الاقامة في الاردن دون حقوق المواطنة. ولا تجهد الاجهزة نفسها في ان تشرح لنا كيف تتم محاربة المخططات الاسرائيلية بينما الاردن دخل في تعهد دولي في نطاق معاهدة وادي عربة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين. أي ان ما تقوم به الاجهزة هو تقويض لالتزام دولي تعهدت به الدولة الاردنية. فكيف يستقيم هذا الموقف من تلك التعهدات القانونية الدولية؟

وتقول الاجهزة انها تفرق في تصرفاتها بين حملة البطاقة الخضراء عن حملة البطاقة الصفراء، وتعتبر الفئه الاولى فلسطينيين بحكم الاقامة الاعتيادية في الضفة الغربية، فهؤلاء يتم تجريدهم من جنسيتهم، بينما تتمتع الفئة الثانية بكل ما للاردنيين من حقوق وما عليهم من التزامات. ان الوقائع والممارسة العملية تدحض هذا القول ذلك ان حملة البطاقة الصفراء والمقيمين في الاردن يتعرضون لتهديدات ومضايقات ومناورات من الاجهزة تجعل من حياتهم قلقاً مستمراً، وهنا يثور السؤال المؤلم: ما هي الضمانة التي لا ينتهي فيها الامر مع حملة البطاقة الصفراء كما انتهى مع حملة البطاقة الخضراء؟!

ان هذا السلوك للاجهزة المسؤولة عن موضوع سحب الجنسية من اردنيين من ذوي اصول فلسطينية منافٍ للدستور والقانون كما أنه يتنافى مع العلاقات التاريخية التي تجمع الناس على ضفتي الاردن. انه سلوك يؤدي الى ضعضعة الوضع الداخلي وتشقق النسيج الاجتماعي مما يسهل على العدو التاريخي التسلل من خلال هذه التشققات لابتزاز الاردن مسؤولين وقادة ونخب وطنية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا

صحافيون من أجل فلسطين تدعو لحملة تواقيع لتحريك شكوى لدى الجنائية الدولية