مروان المعشر يصف قانون الانتخاب الأردني بالرجعي ويدعو للانتفاض عليه





مروان المعشر يصف قانون الانتخاب الأردني بالرجعي ويدعو للانتفاض عليه

24-06-2012
قال مروان المعشّر : ترأست الأسبوع الماضي، مع د.عبدالكريم الأرياني رئيس وزراء اليمن الأسبق، وفداً من مركز كارتر للسلام لمراقبة الانتخابات الرئاسية المصرية. وقد أتاحت لي هذه الفرصة الالتقاء بالعديد من القوى المدنية والدينية في مصر، منهم الفريق أحمد شفيق، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، وخيرت الشاطر، وشيخ الأزهر، وعمرو حمزاوي، ورئيس حزب النور، وممثلين عدة عن الحركات الشبابية، وغيرهم.ثمة ملاحظتان رئيستان استوقفتاني بعد قضاء عشرة أيام في مصر: الأولى، هي استمرار احتكار المشهد السياسي من قبل ثنائية 'العسكر والإخوان'. وهو احتكار لا يقتصر على مصر وحسب، بل على العديد من البلدان العربية أيضاً. أما الملاحظة الثانية، فهي أن هناك بدايات لنشوء قوى ثالثة تؤمن بالديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، ولا تقبل هيمنة دينية أو عسكرية على المجتمع. لكنها قوى ما تزال في حاجة إلى تأطير فكري لبرامجها، وقدرات تنظيمية وتمويلية، إن هي أرادت بلورة منافسة جدّية للقوتين الأوليين اللتين تثبتان يوماً بعد يوم مدى ما تتمتّعان به من إمكانات تنظيمية ومالية. ومعروف أن هذه الإمكانات أتاحت وصول مرشحين للرئاسة يفتقد كلاهما إلى العديد من الصفات القيادية التي تؤهّلهما لقيادة أكبر دولة في العالم العربي.وللأسف، فإن البداية المشجعة للثورة المصرية في العام الماضي، والتي شهدت تعاوناً جاداً بين القوى الشبابية من مختلف الاتجاهات السياسية، من مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء (والتي شهد عليها ميدان التحرير الذي أعطى بارقة أمل، لا في مجال التوحّد لإسقاط نظام مستبدّ وحسب، بل التوحّد أيضاً للعمل من أجل التعدّدية والديمقراطية للجميع)، هذه البداية تبدو اليوم في تراجع.كل هذا يبدو للوهلة الأولى وكأنه أصبح جزءاً من الماضي، وأن التعددية والوسطية التي لاحت بوادرها في العام الماضي، اختزلت هذا العام في خيارين لا يعطي أي منهما الثقة بإيمانه العميق والواضح بهذه التعددية، على الرغم من الالتزامات اللفظية كافة بذلك. وهكذا، بات مشروع بناء الدولة المدنية التعددية منحسراً أمام أولوية إقصاء الآخر.ما تشهده مصر من كلا هذين المعسكرين على صعيد التطبيق، لا يبشّر بالخير. فقد راعني موقف العديد من القوى المدنية التي كان واضحاً أن خوفها من وصول الإسلاميين إلى السلطة طغى على مواقفها المعلنة بالالتزام بالديمقراطية والتعددية، ما أدّى إلى دعمها، بشكل علني أحياناً، لممارسات المجلس العسكري غير الديمقراطية، طالما أن ذلك يضعف الحركات الإسلامية. وبذلك، فإن هذه القوى تمارس فعلاً ما تتهم به الحركات الإسلامية والنظام السابق من مواقف إقصائية ومحاولة الاستئثار بالسلطة.كما أن ممارسات الحركات الإسلامية، حتى الآن، لا تبشّر بالخير أيضاً؛ من تركيزها في مجلس الشعب على قضايا تتعلّق بالحريات الفردية وخفض سنّ الزواج للنساء وغيرها، بدلاً من القضايا الحياتية التي تهمّ معظم أفراد المجتمع، إلى محاولة الهيمنة على اللجنة المكلفة بصياغة الدستور، بشكل لا يأخذ بعين الاعتبار التعددية الثقافية والدينية والفكرية للمجتمع المصري. وقد أدّى ذلك إلى خسارة هذه الحركات تأييد العديد من أفراد الشعب المصري بعد أشهر قليلة من عمل مجلسي الشعب والشورى.واضح أن مفهوم الديمقراطية الحقة ما يزال هشاً وسطحياً لدى كل من هاتين القوتين، وأن التزامهما بالدولة المدنية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، كما في وثيقة الأزهر، بحاجة إلى براهين عملية وليس التزامات لفظية، وهو ما يبدو عليه الحال الآن.لكن الأمل اليوم في الحركات الشبابية والمجتمعية التي التقيت مع العديد من ممثليها. فأفراد هذه الحركات واعون تماماً لضرورة بناء الدولة المدنية التعددية على أسس ديمقراطية، ويتمتّعون بفهم عميق وفكر مستنير وإدراك تام لضرورة العمل المنظم على الأرض من أجل بناء قوى ثالثة، تكون لها امتدادات شعبية وقدرات تنظيمية وبرامج واضحة، تحدّد ليس فقط ما تقف هذه الحركات ضده، وإنما ما تؤمن به من أهداف، وما تنوي فعله لتحقيق هذه الأهداف. كما أنها تهتمّ بآراء ومصالح منتسبيها من نقابات وحركات اجتماعية.من الواضح أن تطوير هذه القوى الديمقراطية سيحتاج إلى وقت مديد، وإلى قدرات مالية وتنظيمية لن تتحقّق بين ليلة وضحاها. لكن من الواضح أيضاً أن قطاعات واسعة من المجتمع المصري لم تعد راضية بالخيارات السياسية المتاحة أمامها اليوم، وهي خيارات مشكوك في قدرتها على تطوير مجتمعات تعددية تؤدّي إلى تنمية مستدامة وحريات فردية تشجّع على الابتكار والإبداع.

ما علاقة ذلك كله بما يجري في الأردن؟

إن النجاح الذي حقّقه الإسلاميون في مصر، يدفع الدولة الأردنية باتجاه المزيد من التشنّج والسياسات الإقصائية، عوضاً عن دفعها باتجاه مشاركة القوى الفاعلة كافة في الحكم، ومن بينها الإسلاميون، بشكل عادل وجاد يضمن التدرجية والجدية في آن، ويؤسّس لدولة تعددية حداثية لا يطغى فيها فكر على فكر أو فئة على فئة أخرى ويتشارك فيها الجميع، ويشجع قيام أحزاب متعددة بشكل تدريجي، تتنافس في تداول سلمي للسلطة يحدّده الشعب من خلال صناديق الاقتراع في الأوقات والظروف كافة.للأسف، لا يوجد وعي كاف بهذا التوجّه. بدلاً من ذلك، نجحت القوى التقليدية المحافظة في الدولة في إقرار قانون انتخاب في مجلس النواب أقل ما يقال عنه إنه تكريس للوضع القائم الذي لم يعد مقبولاً ولا مستداماً، وفيه تجاهل، بل واستخفاف بقطاعات واسعة من التيارات السياسية والاجتماعية، وليس الإخوان المسلمون وحدهم. هذه الجهات تريد قانوناً يكسر احتكار السلطة والإخوان، ويسمح بتطوير قوى ثالثة مدنية تعددية ديمقراطية تعبّر عن تطلّعات الغالبية من أفراد المجتمع الأردني؛ وهي غالبية شبابية لم تعد ترغب أو تقبل بالعيش وفق أنظمة ريعية تحابي البعض على حساب الكل، وأنظمة سياسية لا تسمح بكسر احتكار ثنائية السلطة التي تحكم بدون نظام من الرقابة والمساءلة، ومعارضة تهدّد الصفة التعددية الوسطية للمجتمع الأردني.لقد صرّح جلالة الملك في أكثر من مناسبة، كما سمعت منه شخصياً قبل حوالي أسبوعين، عن رغبته في قانون يشرك فئات المجتمع كافة، بما في ذلك الإخوان المسلمون، بشكل جدي يتعدّى نسبة الـ13.7 % التي حدّدت للقائمة الوطنية. وقد بات واضحاً أن هناك قوى في الدولة لا ترغب في خسارة امتيازاتها، ولا تؤمن بما يقوله رأس الدولة نفسه.من غير المفهوم كيف تسمح الدولة بتجاهل رأي عام عارم يريد تطوير الحياة السياسية، وخلق أنظمة من المراقبة والمساءلة، وانتخاب مجالس نيابية قوية وقادرة على مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، إلا إذا كان البعض ما يزال يعتبر نفسه الحارس والقيّم والوصي على الأردن، بغض النظر عن تطلعات شعبه، ويسعى إلى قانون يعيد إنتاج التركيبة نفسها التي يشكو منها الجميع الآن.لا يصح، ولا يجوز أن تسكت الفاعليات السياسية، الموالية منها قبل المعارضة، على مثل هذا القانون الذي يتجاهل ما يجري من حولنا، ويقود البلاد نحو المجهول. ولا يجوز أن يتم إقراره من قبل مجلس الأعيان لمجرّد التذرّع بعامل الوقت. ولا أبالغ إن قلت إن هناك مسؤولية وطنية على مجلس الأعيان للوقوف ضد هذا القانون الرجعي، كما أن هناك مسؤولية شعبية لإسماع صوتها وإفهام القوى المحافظة أنها تتلاعب بمستقبل البلد.قد لا يتم تطوير قوى ثالثة بين ليلة وضحاها، وسيستغرق ذلك بالضرورة سنوات وربما عقودا، ولكن العجلة بدأت، وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.
الغد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرنامج "الثقافي والوطني " للتيارات المؤتلفة في رابطة الكتاب الأردنيين والانتخابات 27 نيسان

بيان صادر عن ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا

صحافيون من أجل فلسطين تدعو لحملة تواقيع لتحريك شكوى لدى الجنائية الدولية